كتاب
ركائز الايمان
مقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
وبعد، فقد جاء فى الحديث الذى رواه عمر بن الخطاب رضى الله عنه: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال : يا محمد، أخبرنى عن الإسلام. فقال رسول صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال : صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال : أخبرنى عن الإيمان. قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال : صدقت. قال : فأخبرنى عن الإحسان. قال : أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ..)) الحديث . أخرجه مسلم.
تلك من حقائق الدين التى يتعين على كل مسلم أن يعلمها ليقوم بها على وجهها الصحيح. وما تزال أيال من المسلمين بعد أجيال تتعلم هذه الحقائق لتتعرف على الطريقة الصحيحة لعبادة الله جل وعلا، وهو القائل سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)([1]).
وحقائق الإسلام ثابتة لا تتغير منذ أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، المرجع فيها هو كتاب الله المنزل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن علماء الأمة فى كل جيل يتناولونها بالشرح والتفسير من خلال الواقع الذى يعيشه كل جيل، وما جد فيه من نوازل، وما حدث فيه من انحراف فى الفهم أو السلوك، لكى تظل فى حس الأجيال كلها على وضوحها واستقامتها لا يعتريها غبش ولا انحراف.
وإن جيلنا الذى نعيش فيه لهو من أحوج الأجيال إلى التعرف على حقائق دينه، بسبب الغربة التى ألمت بالإسلام فى قلوب أهله، تلك الغربة التى أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم - بما أوحى إليه ربه – فقال عليه الصلاة والسلام : ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء))([2]).
وهذا الكتاب الذى بين يدى القارئ يتناول ركائز الإيمان المذكورة فى الحديث المشار إليه آنفاً، وهى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
وقد راعيت فى هذا الكتاب أن تكون عبارته مبسطة قدر الطاقة، وأن أعقد صلة وثيقة بين القارئ وبين كتاب الله، المرجع الأول الذى نستقى منه حقائق الدين. فأذكر فى كل مسألة دليلاً أو دليلين من كتاب الله، مشروحين مفسرين بما يبرز الدلالة المستخرجة منهما، ثم أورد نصوصاً أخرى من كتاب الله أترك للقارئ أن يتملاها ويتدبرها بنفسه، ليستخرج دلالتها على ضوء ما قدمت له من النصوص المشروحة، ليتعود القارئ أن يتدبر آيات الله عند تلاوتها، فقد أمرنا بالتدبر مع التلاوة. قال تعالى : ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً))([3])، وقال تعالى : ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب))([4]).
وبعد، فأرجو أن أكون قد وفقت إلى شىء مما قصدت إليه من تأليف هذا الكتاب.. ((وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب))([5]). محمد قطب
................
[1] سورة الذاريات : 56.
[2] أخرجه مسلم .
[3] سورة النساء : 82 .
[4] سورة ص : 29 .
[5] سورة هود : 88 .
8155 | 250/310 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available