كتاب
طرق تدريس الفنون
يخضع تدريس الفنون الآن لعمليات تطور كبيرة توصل الباحثون من خلالها إلى افكار تقدمية، أخضعت دروس الفن للعوامل الذاتية، التي تتعلق باستعدادات الفرد واتجاهاته الفنية الغزيرية، وهذه الاستعدادات تتغير باكتساب التجارب العديدة في الحياة، كما تتغير العوامل الموضوعية تبعا لعمليات التفاعل بين الفرد والواقع. ومع ذلك فليس من المتوقع أن يمر الفرد في تعلمه للفن بمراحل فنية تخضعه للرسم الواقعي، وعملية الرسم الواقعي ليست غزيرية بل عملية تقليدية لفن الكبار لا تدفع الفرد إلى التجديد والتغيير فتظل العملية ثابتة، فيضطر الفرد من خلال هذه المراحل مجابهة الواقع المضاد على أسلوب واحد، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يصبح هذا الفرد الفرد مبتكرا، فالفن متجدد ومتغير طالما أن هناك فكرا ذائب الحركة حريصا على أن يصل إلى الكمال، وهناك أسباب تدعو إلى عمليات التغيير في التربية الفنية وأساليب تدريسها على ضوء دراسة رسوم الأطفال علميا وسيكولوجيا، وكلما ازداد الباحث عمقا في رسوم الأطفال والمراهقين فإنه كشف أسرارا تنبيء عن شخصيتهم.
إن كتب طرق تدريس الفنون التي صدرت في بعض الاقطار العربية لا تحمل أفكارا تقدمية، بل تخضع الفرد لمراحل فنية متدرجة نحو الرسم الواقعي، وتوجه كل مرحلة من مراحل النمو على ضوء الحقائق البصرية، وتضع خططا ومناهج تقليدية كلاسيكية لتدريس الفنون تخضع ايضا للتقييم، وظلت هذه الكتب تتداول بين المدارس والمعاهد والمكتبات المتخصصة بالفنون والتربية الفنية في الوطن العربي تردد معلومات قديمة لا تدفع الفرد إلى التجديد دون أن يطرأ عليها تغيير حقيقي، وعلى ذلك فليس من الصحيح أن نخضع الفرد لمراحل تتجه بفنه نحو الواقعية طالما أن لديه مواهب واتجاهات ذاتية اصيلة، فلا يصح لنا من خلال هذه المراحل ان نتحكم في رؤية الفرد في الفن ونجعلها واقعية، ويجب علينا أن نعرف أن كل ما يقوم به الطفل في الرسم أو التشكيل بالخامات الأخرى، صادر من العقل والحدس وأن كل ما يصدر عنه من رسوم وأشكال نحتية غير مألوفة يعد سرا يقع خارج تحليلنا المنطقي، ولا يمكن أن ندركه نحن الكبار، إذن كيف يحق لهذه الكتب أن توجه الطفل نحو الرسم الواقعي وهي تجهل هذه الحقيقة.
تحدد هذه الكتب لكل مرحلة من مراحل النمو طريقة خاصة تجبر الفرد على التقليد ومحاكاة الأشياء دون أن تسمح له أن يستثمر مواهبه واستعداداته الذاتية استثمارا صحيحا، وكما تحدد هذه الكتب لمعلم التربية الفنية ممارساته بتدريس الفن واتجاهاته واختيار موضوعاته وتقيده بخطط ومناهج مفتعلة ومصطنعة وتشده بمعلوماتها وتجعله لا يتخلى عنها. وأما ما يخص فترة المراهقة فإن هذه الكتب بمعلوماتها تخضع المراهقين لتدريبات أو عمليات آلية متدرجة تدفع مدرس التربية الفنية إلى إتباع الطريقة الأكاديمية التقليدية التلقينية في تدريس مبحث الفنون في المدارس الثانوية، متناسية أن للمراهق افكارا تنبض بالحياة،ت يرغب في التعبير عنها بطريقته الخاصة وإذا نحن لم نهتم بطبيعة هذه الأفكار وبتحولاتها وبتغييراتها فإننا حتما سنفشل في تدريسنا، وفن المراهقة ليس له قوانين وقواعد ثابتة لا تتغير. فالطريقة التقليدية التلقينية التي تتناولها هذه الكتب في طرق تدريس الفنون في المدارس الثانوية تتميز بمحاولات جادة لجعل صنعة الفن التشكيلي لها قواعدها وأسسها الأكاديمية، شأنها في ذلك شأن الصنعات الأخرى التي يتعلمها الفرد، ويعتمد المدرسون على هذه الكتب في التدريب على تنمية المهارات الفنية في طريقة بناء العمل الفني باستخدام التدريب الآلي في التخطيط وتوزيع الألوان كما هي في الطبيعة، والتعامل مع المنظور والتجسيم والظل والنور وغيرها من القواعد التي تدخل في صناعة العمل الفني، التي ورثتها معاهد وكليات الفنون الجميلة في الوطن العربي و الغرب وهي موروثة في الأصل من خبرات وتقاليد متراكمة ومنذ أجيال عديدة قد تنتهي عند الإغريق اليونان أو تتعداهم زمنيا ومع أن رسم النماذج الطبيعية والاصطناعية كانت معروفة عند الفنانين الواقعيين، في الوقت الذي كانت سائدة فيه المثاليات الواقعية وقد التحمت الدراسة الأكاديمية بالغاية المثالية ويضاف إلى ذلك أن ثمة فارق بين أساليب التعبير عند الفنانين الواقعيين وبين أساليب التعبير عند المراهقين إذ نجد الاختلاف في التفكير والنضج الفني يقدم للفنان الواقعي معلومات وخبرة يتدرب عليها تدريبا اكاديميا، وأما المراهق فلا يزال طفلا لا تساعده مهارته وخبرته في رسم الأشياء الواقعية التي يضطلع بها الفنانون الواقعيون، وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان، كما يوجد اختلاف في المهارة النقنية، فهذه الكتب تنظر إلى حصة الرسم والنحت على أنها سلسلة من التدريبات على نسخ خطوط وألوان الأشكال الطبيعية كما هي في الحقيقة، وهذه الطريقة تلزم فكر الطالب وعقله بقواعد معينة، وليس العمل على تطويره بتدريب خياله بل بقمعه، فيشمل التدريب على قياس الاطوال والارتفاعات ومعرفة الابعاد ودراسة علم المنظور، وكأن هدف تدريس التربية الفنية في هذه المرحلة جعل اكبر عدد من الطلبة فنانين واقعيين بغض النظر عن فروقاتهم الفردية في اتجاهاتهم الفنية المتباينة فكل ما يتعلمه الطالب في هذه المرحلة يأخذ أشكالا محفوظة تعتمد على قواعد وقوانين كلاسيكية مصطنعة في رسم الإنسان والحيوان ومظاهر الطبيعة الأخرى ذات القوالب الثابتة، أو عرض نماذج طبيعية جاهزة حية أو جامدة يكرر الطالب أشكالها كلما تعرض عليه وتؤدي به إلى الملل والسام.
وهذه الطريقة ترهق المراهقين في عمل أشياء لا يدركونها، وتدفعهم قسرا إلى نقل ما يشاهدونه من أشياء حقيقية أمامهم كالطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية أو الأشخاص والنماذج، لخلق الطالب المقلد الماهر للأشكال الطبيعية، ومهما يكن من شيء فإن هذه الطريقة تخنق مواهب المراهق الابتكارية وتلغي شخصيته وتمحو ادراكاته الذاتية ومشاعره الخاصة محوا تاما وبالتالي تصبح شخصيته ظلا لشخصية الكبار وصورة مشوهة عنهم، دون ن يدركوا لما يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الطريقة ف تخريب لوجدان المراهق وتدمير لملكاته الإبداعية، أن الثمن الذي تدفعه هذه الكتب مقابل هذا التخريب والتدمير، قد اخذ في الارتفاع في مدارسنا الثانوية فهي لا تزال تغذي مثل هذه الطرق المدمرة لعقول ووجدان المراهقين، وقد تلاءم طريقة نقل وتقليد الطبيعة، اصحاب القدرات البصرية وهؤلاء يؤلفون العدد القليل جدا من الطلبة، بينما نجد غالبية الطلبة يعتمدون على قدراتهم الذهنية التخيلية في التعبير أي انهم يعملون ذهنيا في اتجاهات ذاتية متباينة حيث انهم لم يستجيبوا لهذه الطريقة البصرية لأن خيالهم لم يستوعبها ويرون أنها معقدة وصعبة، ولم يستطيعوا التكيف لها، أو تكون النتيجة فقدان اهتمامهم بالفن كُلِيِّةً ويهربون أحيانا من حصصهم في التربية الفنية للرسم الواقعي لجميع الطلبة ويدهم غير مزودة بالقدرة على الرسم أو النحت الابتكاري وأن عقلهم مفتقر إلى التمييز بين الجميل والقبيح والوعي بالأعمال الفنية الحديثة فتراهم عاجزين في معرفة مضامينهم، أن الطريقة البصرية المتبعة حاليا في مدارسنا الثانوية لم تكن شيئا أكثر من نسخ وتقليد الأشياء الطبيعية أي تسجيلات فوتوغرافية، وطريقة كهذه لا تسمح للمراهق باستخدام تفكيره والتعبير عن هذا العالم بصور شتى بل تجعله يكرر أشكالا وألوانا طبيعية بغير تغيير، بيد أن هذا الكتاب يؤكد على الصور الذهنية التي تخدم النمو العقلي للمراهق وتسمح لجوانبه الحسية الملموسة بالعالم المحيط به، التي تتخلل عقله بصياغة تعبيره الفني وقد يكون للموهبة التصويرية الذهنية وظيفة مساعدة في عملية التفكير وتخضع لعمليات عقلية، فالصورة الذهنية هي أفضل الأشكال اكتمالا للتمثيل العقلي، حيث يأخذ شكل التعبير إيقاع الخطوط والألوان وعلاقتها التشكيلية إلى جانب الموضوع، وإن طريقة مثل هذه أفضل في إنماء الاتجاهات الذاتية الذهنية لدى المراهقين في المرحلة الثانوية دون اللجوء إلى الطريقة البصرية الأكاديمية، ولقد صار واضحا علينا أن الصورة الذهنية ذات قدرة تخيلية تمكن المراهق في الصفوف الأولى المتوسطة في أن يرى الطبيعة متنوعة بدرجة كبيرة غير نهائية، وأن عملية التربية في المدارس الثانوية تكون فجة ومفتعلة إذا لم تقم على أساس فهم شخصية المراهق وإدراكه الحسي وطبيعته الفنية، وفي السنوات الأخيرة نرى علما جديدا قد نما وبزغ حول دراسة طبيعة فن المرهق، وهو علم يعتمد على دراسة الأنماط الجمالية والسيكولوجية للمراهق وهذا ما سوف نبحثه في هذا الكتاب...
32131 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
32130 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
33000 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
33001 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
33002 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
32132 | 707/304 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available