كتاب
دور المغرب العربي وافريقيا في دعم الثورة الجزائرية ج2
ورثت الحكومة المؤقتة معالم و أسس نشاطها على الصعيد الدبلوماسي عن جبهة التحرير الوطني، و التي بدورها ورثت أهمها عن الحركة الوطنية الاستقلالية و المتمثلة في نجم الشمال الأفريقي ثم حزب الشعب الجزائري و أخيرا حركة الانتصار الحريات الديمقراطية، و سعت لتكييفها مع المعطيات الدولية و تطويرها وفقا لذلك.
و يمكن حصر أهم أسس وركائز النشاط الدبلوماسي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في المحاور التالية:
أكد ميثاق مؤتمر الصمام على أنه من واجب قيادة الثورة أن تحرص بانتظام على المحافظة إلى استقلال الثورة الجزائرية استقلالا تاما. و وفق هذا سعت الحكومة المؤقتة للجمهورية، لأن تحافظ على استقلالية قراراتها، و الابتعاد عما يجعلها عرضة لأي ضغط أو تأثير يفقدها حريتها في أتخاد الموافق التي تخدم مصلحة الثورة والشعب بالجزائري قبل أي اعتبار آخر.
• السعي إلى إبطال مفعول الأكذوبة التي تبثها الحكومة الفرنسية و دبلوماسيتها وصحفها الكبيرة، محاولة تعرف الثورة الجزائرية كثورة مصطنعة مجهزة من الخارج، ليستلها جذور في الأمة الجزائرية المكبلة.
• إعطاء طابع الشمولية للنشاط الدبلوماسي للثورة الجزائرية، بحيث يستهدف الحصول على أكبر قدر من دعم دول العالم، للاستفادة من تضامنهم مع القضية العادلة للشعب الجزائري، و الحصول على دعمها المادي (أدوية، ألبسة، أغذية، أسلحة) أو المعنوي وذلك من خلال كسب أصواتها لفائدة الجزائر في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
• الاعتماد على دعم الدول العربية خاصة الجمهورية العربية المتحدة العراق، تونس والمغرب، للكسب مواقع جديدة على الساحة الدولية، سواء على مـستوى الكـتل و المنظمات في إطار جامعة الدول العربية أو الكـتلة الآفروآسيوية و هيئة الأمم و المنظمات الملحقة بها أو على مستوى الدول.
• الاعتماد على الثقل الذي يمثله دعم الدول الآفروآسيوية في المحافل الدولية.
• المطالبة المستمرة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بضرورة الحل السلمي التفاوض، من أجل إنهاء حزب الجزائر.
• السعي لعزل فرنسا دوليا ثم التفاوض معها، و ذلك بالضغط عليها عن طريق الدول المؤيدة من دول الكتلة الآفروآسوية، و تجريدها من دعم و تأييد الدول الموالية لها. الدول الغربية بالخصوص.
• تبني مبدأ الحياد الذي يعتبر موروثا من إستراتيجية الحركة الوطنية، و هذا عقب التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، بظهور قوتين مسيطرتين مختلفتين من حيث التوجهات الأيديولوجية وتجدد الصراع بين الغرب الرأسمالي و الشرق الشيوعي.
• عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و احترام سيادتها الترابية، فرغم التواجد العسكري الكبير لجيش التحرير الوطني بتونس و المغرب الأقصى و التي كانت تفـوق تعداد الجيش التونسي، إلا أن وحداته حرصت على احترام سيادة الدولتين.
• تعزير تواجدها في الساحة الدولية و ذلك بتكثيف حـضورها فـي الــمؤتمرات و الندوات الدولية، و توثيق صلاتها بالمنظمات غير الحكومية في الدول الغربية، و إنشاء المكاتب الخارجية عبر مختلف دول العالم كل هذا بهدف كسب الدعم المادي و المعنوي لفائدة القضية الجزائرية.
المبحث الأول: تجاه بلدان المغرب العربي.
أكدت جبهة التحرير في بيان أول نوفمبر 1954 على البعد المغربي لثورتها، التي تسعى إلى تحقيق اتحاد المغرب العربي الذي يعد أحد الأهداف الأساسية لحزب نجم شمال إفريقيا الذي جمع نضال الحركة العمالية المغاربية في المهجر بفرنسا.
و ستتجسد أواصر التضامن بين الشعوب المغاربية و الشعب الجزائري في أول الأمر إلى استقبال و إيواء الأعداد الهائلة للاجئين الجزائريين الفارين من القمع الاستعماري بعد استقلال تونس و المغرب. إضافة إلى عمليات الإمداد بالأسلحة و تموين الولايات انطلاقا من أراضهما، و هو ما تطلب إنشاء مراكز عبور وتدريب قوافل الإمداد على طول الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية المغربية، فضلا على الحدود الليبية، بدءا من جويلية 1957 اثر قرار لجنة التنسيق والتنفيذ القاضي بتعزيز الكفاح المسلح بفتح الجبهة الصحراوية، و هو ما تفطنت له السلطات الاستعمارية حيث أقدمت على تطويق جميع الحدود الجزائرية عدى الصحراء بخطي موريس وشال، و إقدامها على قنبلة منطقة ساقية سيدي يوسف التونسية، فيفري 1958 بدعوى استقبالها للثوار الجزائريين.
وسيتعزز التضامن المغاربي مع الثورة الجزائرية إثر انعقاد مؤتمر طنجة بالمغرب في أفريل 1958 والمهدية في جوان 1956 ، وكان من نتائجهما التأكيد على دعم الثورة الجزائرية ودعوة قيادتها لإنشاء جهاز حكومي للثورة، ومهما يكن فإن هذين المؤتمرين جاء نتيجة لإقدام السلطات الفرنسية على اختراق سيادة تونس والمغرب ، بداية من حادثة اختطاف الطائرة التي كانت تقل الزعماء الخمس في 22 أكتوبر 1956 ، ثم قنبلة إذاعة الثورة بمنطقة الناظور بالمغرب الأقصى ومركز العربي بن مهيدي بوحدة التابع لجيش التحرير الوطن، ثم قنبلة قرية ساقية سيدي يوسف، فضلا عن ذلك تخوفات كل من تونس والمغرب من مصر الناصرية، لذلك حاولتا استدراج الثورة وحصرها في الإطار المغاربي، وبالتالي الضغط عليها لحل القضايا الحدودية .
ويتمثل الهدف الذي رسمته الجبهة ثم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من خلال نشاطها الدبلوماسي على الصعيد المغاربي في عزل تونس والمغرب عن فرنسا، وتعزيز القواعد الخلفية لجيش التحرير في البلدين، وتسهيل عملية إدخال الأسلحة والذخيرة عبر حدودهما .
كما أسهمت الدولتان في جهود الوساطة بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية مساهمة منهما لدفع مسار المفاوضات، وفي هذا المجال تندرج عروض الوساطة التونسية المغربية بقيادة بورقيبة ومحمد الخامس سنة 1957م، والتي رفضتها الحكومة الفرنسية كما ستلعب تونس لاحقا دورا في الوساطة بين الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية قبيل مفاوضات إفيان الأولى في ماي 1961 ويتزايد الضغوط الفرنسية في إطار إستراتيجيتها الهادفة إلى كسر جبهة طنجة، خضع البلدان ومارسا ضغوطا على الحكومة المؤقتة وقوات جيش التحرير المتواجدة على أراضيها .
ونظرا لإدراك قيادة الثورة لأسباب التخوفات التونسية، فقد تعاملت معها بحكمة وهدوء بتقديم التوضيحات اللازمة حول أسباب الواقعية لتواجد قوات جيش التحرير على التراب التونسي، وفي هذا الإطار يندرج لقاء الرئيس الحكومة المؤقتة ووزير الشؤون شمال إفريقيا بالمسئولين التونسيين تليلي وطيب مهري، وهو ما طمأن التونسيين.
وقد توصل أعضاء الحكومة المؤقتة في تحاليلهم للمعطيات الدولية والجهوية إلى أن عملية كبرى يقودها الغرب هدفا " دفعنا إلى قبول بحل سياسي، أو تمنع عن الأسلحة لدفعنا إلى هذا الحل السياسي وهذا بالضغط على تونس والمغرب لتنفيذ هذا الشطر من العملية" ، لذلك قررت الحكومة الجزائرية مصارحة بورقيبة ومحمد الخامس بأن نجاح سياسة الحكومة المؤقتة مرهون بدعم على الصعيد العسكري، وهو ما يفي رفع المصادرة التونسية لمخازن الأسلحة التابعة لجيش التحرير منذ أفريل 1959 .
كما اعتمدت سياسة الحكومة المؤقتة على العمل على تحييد حكومتي تونس والمغرب الأقصى الساعتين للإسراع في المفاوضات ولعب دور الوساطة على حساب الثورة الجزائرية، وذلك بالحفاظ على التوازن في التعامل مع الدولتين وعدم ترك المجال لبورقيبة ليتصرف بالثورة، لـذا عملت الحكومة المؤقتة للحفاظ على التوازن في تعاملها و علاقاتها مع البلدين الجارين ، وهو ما يوضحه تدخل وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة السيد لخضر بن طوبال في اجتماع يوم 3 أكتوبر 1959 .
وعلى إثر السيطرة التونسية على مخازن أسلحة جيش التحرير الوطني بالتراب التونسي، ذهب بعض أعضاء الحكومة المؤقتة إلى التفكير في حل أخر يتمثل في استرجاع الأسلحة بالقوة في عمليات منظمة لجيش التحرير الوطني، وهو ما ذهب إليه السيدان فرحات عباس، كريم بلقاسم.
كما عمدت الحكومة المؤقتة إلى سياسة تشاورية تجاه الدولتين تونس والمغرب، لما تمثلانه من علاقة متميزة و لتأثيرهما على الثورة بفعل الجوار و تمركز الحكومة
و عدد هائل من جيش التحرير الوطني و اللاجئين المدنيين و كذا من أجل الاستفادة من رأي القيادتين و ضمان تأييدهما خاصة فيما يتعلق بالأحداث و التطورات الهامة التي تشهدها الثورة مثل مبادرة ديغول "حق تقرير المصير" في 16 سبتمبر 1959. لكن لما حاول الرئيس التونسي بورقيبة فرض رأيه على الحكومة الجزائرية بتأكيده على ضرورة اجراء تعديلات على بيانه الذي أطلع عليه قبل اذاعته يوم 28 سبتمبر 1959، حينها تمسكت الحكومة المؤقتة بموقفها الذي اتخذته رفقة قادة الولايات في اجتماعاتها من 20 إلى 28 سبتمبر 1959.
و هو ما اعتبره بورقيبة إهانة له فكيف تستشيره الحكومة المؤقتة و لا تأخذ بالتعديلات التي نصحها بها، بل و تمادي في تدخلاته في شؤون الثورة إلى درجة أنه طلب من الحكومة المؤقتة "أن تتعارض ممارسات جيش التحرير الوطني."
أما بخصوص العلاقات مع ليبيا فلقد تميزت بطابعها الحيوي بحكم أنها منطقة عبور هامة عبرت منها معظم الأسلحة و الذخيرة، حيث ثم إمداد جيش التحرير. وبالحدود و من تمة إلى الولايات و تتوسع هذه العملية بداية من جويلية 157، بعد قرار قيادة الثورة بفتح جبهة الصحراء الكبرى، حيث أقدم الرائد يدير مولود المكلف بفتح هذه الجبهة بمهاجمة قافلة عبور فرنسية كانت قادمة من توفرت. ليتحصن بعد ذلك في التراب الليبي إثر ملاحقته من ظرف الجيش الفرنسي، الذي قام بقنبلة الأراضي الليبي، و هو ما جعل من السلطات الملكية تشجبك هذا العمل الذى الحكومة المؤقتة، لكنها لم تتراجع في دعمها للثورة الجزائرية، ففضلا عن أنها تركت مجال أراضيها مفتوحا لإنشاء مراكز جيش التحرير الوطني، و تسهيل عمليات لا مداد جوا و برا فإنها احتضنت معظم دورات المجلس الوطني للثورة الجزائرية ديسمبر 1959 و أوت 1961 و ماي جوان 1962.
حيث أقدم الملك إدريس السنوسي على إعلان مقاطعة ليبيا للتعامل التجاري مع فرنسا، و سيبلغ التضامن الليبي مع الثورة أوجه خلال تصريحه إثر زيادة السيد توفيق المدني لليبيا :" إن ليبيا ملكا و شعبا لا تؤيد الكفاح التحرري للجزائر فقط بل هي تشترك فيه روحا و بدنا".
إن ليبيا شكلت قاعدة خلفية حقيقية للثورة الجزائرية إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية و لم تشهد فيها الثورة التحريرية عقبات كتلك التي شهدتها مع تونس المغرب. لكن تطورات الثورة الجزائرية رافقتها تطور الإستراتيجية الاستعمارية لفرنسا بعد تنامي الاكتشافات الخاصة بحقول البترول في الصحراء الجزائرية و هو ما أسال لعاب الجارتين تونس و المغرب، بعد أن ظهرت في الأفق إمكانية تسوية القضية الجزائرية، و حينذاك ظهر ما عرف باسم قضية الصحراء، فكلا البلدين طلب بإعادة رسم الحدود مع الجزائر كل وفق طريقته، و هو ما شكل عائقا في وجه الكفاح ضد الاستعمار بالمنطقة و اعتبر أيضا إعلانا رسميا على تنكرهما للمبادئ التي قام من أجلها الكفاح التحرري المغاربي.
لقد تعاملت الحكومة المؤقتة مع هذه المشاكل التي واجهتها مع تونس و المغرب بواقعية و تعقل و مرونة، و ذلك بالتقليل من حجم تلك الخلافات و تأجيل الحسم فيها إلى ما بعد الاستقلال، و هذا مراعاة الأولوية الكفاح ضد الاستعمار و ما يطلبه من تعبئة للشعوب المغاربية، فالمواجهة ستزيد من تعقيد أوضاع الثورة و تعميق الخلافات بينها وبين الدول المغاربية و تفقدها الدعم المادي و المعنوي.
1_ دعم المغرب الأقصى للثورة الجزائرية ماديا:
نظرا لحاجة الثورة الجزائرية الملحة لهذا الجانب، خاصة بالنسبة لحدودها الغربية التي كانت تشكوا من قلة السلاح الذي كان يأتيها بشق الأنفس، من الناحية الشرقية عبر الحدود التونسية و الليبية على حد سواء، و الذي أثر على مردود الثورة بسبب فقدانها للعديد من المجاهدين الذين استشهدوا جراء كمائن العدو في الطريق، لذا رأت الجبهة ضرورة التركيز على الحدود الغربية. و العمل على كسب الدعم المادي المنتظر من الحكومة المغربية، و بالتالي :" فإن قيادة الثورة نشطت في وضع خطط و تكوين شبكات تتولى مهمة الحصول على السلاح مع أوروبا و توصيله إلى المنطقة الغربية من البلاد عبر المغرب الأقصى، و قد أنشأت لهذا الغرض إدارة الاتصالات الخاصة بالمعلومات."
هذا إلى جانب فتح الحكومة المغربية حدودها للمجاهدين الجزائريين، و نجعل أراضيها ميدانا لتدريبهم، و بعض مدنها قواعد خلفية للثورة، و هذا الدعم الجبار زاد من كقوة الثورة، بل شتت خطط العدو الفرنسي الذي أصبح لا يقوى على رد هجومات المجاهدين. و من الطرق و الوسائل الناجحة في تهريب الأسلحة عبر التراب المغربي، استعمال صناديق الخضر و الفواكه فبعد تفريغها من الداخل تملئ بالذخيرة، و منها تدخل التراب الجزائري. هذا إلى جانب خزانات وقود السيارات التي كانت تشحن هي الأخرى بالأسلحة و تمر عبر الحدود الغربية إلى الجزائر. و يعود مصدر شراء هذه الأسلحة والذخيرة الحربية بالدرجة الأولى إلى مهمة الجزائريين في الاشتراك داخل و خارج الوطن إبان الثورة التحريرية، هذا إلى جانب الأسلحة التي كان يستولي عليها المجاهدون الجزائريون من جنود الاستعمار الفرنسي.
و خلال المرحل التي مرت بها الثورة التحريرية بالنسبة للمغرب الأقصى، فقد تم وضع حوالي خمسمائة (500) متطوع مغربي من مدينة مراكش تحت تصرف جيش التحرير الوطني بأمر من العاهل المغربي محمد الخامس، الذي أصدر أمرا بالسماح بمرور المعدات العسكرية و حتى المتطوعين الأجانب إلى الجزائر عبر الحدود المغربية-الجزائرية.
هذا إلى جانب سماح الحكومة المغربية للشعب المغربي بالتظاهر لفائدة القيم الجزائرية و دعم الشعب الجزائري، منها المهرجان النسوي الذي تم تنظميه في 21 جانفي 1957 من طرف اتحاد النساء المغربيات حيث قمن فيه بجمع التبرعات لفائدة الثورة الجزائرية.
كما أن كل العمليات الفدائية التي كان يقوم بها المجاهدون في الناحية الغربية مصدر تموينها آت من الحدود المغربية الجزائرية خاصة العمليات التي شهدتها مرحلة 1958-1962 بالولاية الخامسة كما وجدوا الولاية الخامسة متنفسا لهم في الأراضي المغربية برعاية من الحكومة المغربية نفسها، فبعد قيامهم بمعارك و عمليات عسكرية ضد الاحتلال الفرنسي داخل التراب الجزائري يعودون مباشرة إلى قواعدهم الخلفية بالأراضي المغربية، للتزويد بالمؤن و الاستعداد لمعارك أخرى، رغم مطاردة القوات العسكرية للعدو الفرنسي لهؤلاء المجاهدين و تشديد الحصار عليهم.
إن احتجاجات الحكومة الفرنسية الرسمية على التسهيلات المقدمة من طرف المغرب الأقصى، لم تشن من عزيمة جيش التحرير الذي كان يضرب بقوة من الحدود المغربية "ففي شهر أوت عام 1960. قامت مجموعة من مجاهدي جيش التحرير الوطني و عددهم عشرة مجاهدين بقيادة المرحوم سعيداني مكلفين من طرف قيادة الولاية الخامسة بالاتجاه إلى منطقة العبادلة داخل التراب الجزائري المحتل قصد تنشيط النظام و توطيد الاتصال و الوصول إلى مكانية تموين الجيش بمنطقة منونا. و قد انطلقت المجموعة من الحدود المغربية عبر الطريق الصحراوي إلى عمق التراب الجزائري غربا.
كانت فرنسا تدرك أهمية الحدود المغربية بالنسبة للثورة الجزائرية لذلك قامت بزرع الألغام و بناء الخطوط الشائكة و المكهربة منها خط موريس و شال، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمة المجاهدين، ففي 04 نوفمبر 1960، قامت "مجموعة من جيش التحرير الوطني عددها خمسة أفراد معينون في مهام خاصة بالمنطقتين الثالثة و السابعة من الولاية الخامسة، و عند وصولهم إلى السد المكهرب و الملغم بين محطتي بوعياش والبركة الكحلة على الطريق الرابط بين بشار و بني ونيف صادف أن هناك فصيلة من جيش التحرير بقيادة خليفي محمد تريد هي الأخرى اجتياز الحدود في طريقها إلى جبل بشار."
لقد كانت الحكومة المغربية تدرك تماما الإدراك أهمية حدودها بالنسبة للثورة الجزائرية، وأن ما تقدمه من دعم مادي للثورة الجزائرية أساسي و ضروري في نظرها، بالنسبة لعمر هذه الثورة و استمراريتها، خاصة و أنها كانت بأمس الحاجة إلى السلاح الآتي عبر الحدود المغربية.
و بغض النظر عن دور المدن المغربية الحدودية في تسهيل عملية تهريب الأسلحة، و تسلل المجاهدين ، فإن جيش التحرير المغربي هو الأخر فتح أبوابه أمام تدريبات المجاهدين و منه تنطلق القوافل المدربة إلى التراب الجزائري، و هو ما جعل الولاية الخمسة "ملجأ و مقرا للقيادات السياسية العسكرية أثناء الثورة أمثال مصطفى بن بولعيد و محمد العربي بن مهيدي و بوجمعة سويداني و بن عبدالمالك رمضان، و أحمد زهانة المدعو زبانة و عميروش و مراد ديدوش".
هذا إلى جانب كونها كانت "محطة تمرير الأسلحة للولايات الأخرى و ملجأ آمنا للمناضلين المطاردين في جهات أخرى من الاستعمار الفرنسي "، حيث يتم ارسالهم الى المغرب الأقصى، خاصة بعد زيادة الخناق على الولايات الأخرى منها الولاية الأولى أوراس النمامشة، و بذلك تكون المغرب الأقصى قدمت للقضية الجزائرية و ثورتها المجيدة ما يجب أن يقدمه الأخ لأخيه رغم الضغوطات الفرنسية المتتالية. و بقيت في دعمها للثورة تحت راية الملك محمد الخامس إلى أن حققت الجزائر استقلالها عام 1962.
لقد أدت المغرب الأقصى ملكا و شعبا واجبها لنصرة قضية الشعب الجزائري والوقوف معه في منحه و دعمه ماديا ومعنويا حسب ما تقتديه الظروف الداخلية والخارجية.
2- دعم تونس للثورة الجزائرية ماديا:
كانت تونس البوابة الشرقية للثورة الجزائرية في دخول الأسلحة و المؤونة الحربية إليها، و قد أكد العديد من المجاهدين أن الحكومة التونسية- الجزائرية كانت من أهم معابر المجاهدين و نقل الأسلحة العادمة من ليبيا و مصر الشقيقتين، حيث ارتكز الدعم المادي بالنسبة للحكومة التونسية على فتح حدودها للثورة الجزائرية إلى جانب مراكز تجميع الأسلحة. لكن الملفت انتباه هو أن مجاهدي المناطق الشرقة أكدوا من جهتهم أن الحكومة التونسية كانت تأخذ ما يعادل 10% من الأسلحة الجزائرية المهربة عبر حدودها، وقد يكون سبب ذلك راجع إلى القافة التي كانت عليها تونس آنذاك.
لقد تم عقد العديد من اللقاءات الثنائية بين الطرف الجزائري و التونسي حول موضوع دعم الثورة التحريرية و البحث عن سبل انجاح العملية، و من أهم هذه اللقاءات لقاء القاهرة الذي جمع الأستاذ أحمد توفيق المدني عن الطرق الجزائرية و السيد الباهي لدعم الطرف التونسي، و قد توج اللقاء باتفاق يتعلق بنقل الأسلحة فقط.
في الوقت نفسه عارض السد صالح بن يوسف و رجاله سياسة بورقيبة تجاه الثورة الجزائرية معتبرين استقلال تونس ناقصا ما لم تستقل الجزار، و هي القضية التي خلقت شقاقا بين الرجلين في تونس، خاصة و أن صالح بن يوسف رفض التخلي عن مقاومة الاحتلال الفرنسي بالسلاح بل وضع رجاله تحت تصرف الثورة التحريرية الجزائرية، وقد استاءت الحكومة التونسية برئاسة بورقيبة مخن تدخلات هذا الأخير خاصة ما يخص نقل الأسلحة من مصر إلى الجزار مرورا بتونس.
كانت نتيجة لقاء القاهرة هي توقيع اتفاق ثنائي جزاري-تونس في 22 جانفي 1957، مثل الجزائر كل من السادة أحمد توفيق المدني و الأمين دباغين، و مثل تونس كل من السادة الصادق مقدم و الطيب سليم، و قد جاء فيه ما يلي:
1- تتعهد الحكومة التونسية بنقل الأسلحة الجزائرية التي تصلها عبر الحدود منن ممثلي جبهة التحرير الوطني و تتعهد بتسليمها لمن تعينه الجبهة لهذه المهمة.
2- تكون اللجنة التهي تشرف على العملية تحت حراسة و ذمان هيئة مشتركة مؤلفة من ممثلين عن الديوان السياسي التونسي و ممثلين عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
3- تتعهد الهيئة المشتركة بأن لن تتسرب إلى البلاد التونسية أية قطعة من السلاح أو أي جزء من الذخيرة المخصصة للجزائر.
4- المسائل المتعلقة بتنفيذ هذا الاتفاق بصفة سريعة و عملية تتولاها لجنة مشتركة.
5- تبدأ اللجنة أعمالها حال مصادقة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة على هذا النص النهائي بعد رجوع الوفد التونسي من القاهرة إلى العاصمة التونسية".
حتى و إن كان الدعم المادي التونسي للثورة التحريرية الجزائرية ضئيلا و بقي حبيس الاتفاقيات و الوعود مثلما كان الشأن بالنسبة لمؤتمر المهدية في جوان 1958 و الذي كان يهدف إلى تسطير موقف مشترك و موحد تجاه أحداث ما بعد طنجة. و كذلك تنفيذ مقرراته بناء على ما جاء في جدول أعمال اللقاء.
و رغم قلة الدعم المادي التونسي للجزائر إلا أن تونس لم تسلم من غضب السلطات الفرنسية، التي التهمتها بدعمها عسكريا للثورة الجزائرية، و بررت هزائمها الإعانة التونسية خاصة بعد فشل خط موريس المكهرب و الجهنمي على الحدود الشرقية بين الجزار وز تونس، و قد حاولت السلطات الاستعمارية خلق قوة عسكرية مشتركة تونسية- فرنسية لحراسة الحدود الهدف منها ليس كبح جماح المجاهدين فقط، و إنما تقييد حرية تونس عسكريا و اخضاعها لإرادتها.
و انتقاما لهذا الموقف، راحت فرنسا تدمر القرى و المداشير، و تقوم بأعمال وحشية يندى لها جيش البشرية من أبرزها أحداث ساقية سيدي يوسف التونسية في 8 فبراير 1958، حيث شنت القوات الفرنسية هجوما جويا قوامه ستة و عشرون (26) طائرة حربية حصد أكثر من مائة (100) قتيل من المدنيين العزل و جرح أكثر من مائتين آخرين، و بررت قوات الاحتلال اعتداءها هذا، بحق متابعة المتمردين عن إرادتها من الجزائريين في التراب التونسي.
كان رد الفعل التونسي سريعا و قويا إزاء هذه المجزرة، حيث رفعت القضية إلى مجلس الأمن بتاريخ 12 فبراير 1958، ثم رفضت مباشرة حصارا على قاعدة بنزت التي كانت تابعة للقوات الاستعمارية الفرنسية، كما عرقلت كل نشاط القوات الفرنسية العملة في أراضيها، و هو ما دفع فرنسا إلى رفع شكوى ضد تونس لمجلس الأمن بتاريخ 15 فبراير 1958 مبررة ذلك بالمساعدات التي تقدمها تونس للثورة الجزائرية، لكن رد الرئيس التونسي بورقيبة كان قويا حيث صرح بغضب شديد أن هناك عشرات و مئات ساقية سيدي يوسف داخل التراب الجزائري.
كما جاء على لسان السيد الباهي لدغم ما يلي:" إن هذه الحادثة تغذي شعور الأخوة و التضامن و الدين و اللغة، و الذي تشعر به إزاء إخواننا الجزائريين".
أما بالنسبة للموقف الجزائري فقد اعتبرت جبهة التحرير أحداث ساقية سيدي يوسف ضربة قاسية وجهها الاستعمار الفرنسي إلى الثورة الجزائرية، و قد عبرت بدورها لجنة التنسيق و التنفيذ عن عميق حزنها و تأسفت بشدة لما حدث لسكان هذه المدينة الحدودية الآمنة جزاء الهجوم الوحشي الفرنسي، و ذلك من خلال الرسالة التي وجهتها إلى الحكومة التونسية و مما جاء فيها ما يلي:
"نجدد لكم باسم الشعب الجزائري المجاهد تضامنا الكامل مع الشعب التونسي و الوقوف إلى جانب القوات العسكرية التونسية لإنقاذ الاستقلال التونسي".
هذا الموقف البطولي و الأخوي من زعماء الثورة، دفع بالحكومة التونسية إلى اتخاذ عدة إجراءات لصالح الثورة الجزائرية، فيما بين فبراير 1960 و ماي 1961، سمحت تونس للقوافل الجزائرية المحملة بالأسلحة بالمرور بر أراض1يها إلى داخل الجزائر، كما سهلت عبور أفراد جيش التحرير الوطني عن طريق الحدود جنوبا.
و في 19 ديسمبر 1960 وقعت الحكومة التونسية مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية اتفاقية ثنائية نصت على أن كل سلعة أو تجهيز يخص الحكومة الجزائرية المؤقتة، أو جيش التحرير الوطني أو الهلال الأحمر الجزائري، معفى من كل الضرائب والرسوم الجمركية.
3- دعم ليبيا للثورة الجزائرية ماديا:
كانت ليبيا أثناء الثورة التحريرية بمثابة الرئة التي تتنفس بها الجزائر آنذاك، فمند اندلاع ثورتها التحريرية كانت الدفعات الأولى من الذخيرة الحربية المتوجهة إلى الجبهة الشرقية من الجزائر التي كانت تعتبر المنفذ الوحيد الذي تدخل منه الأسلحة لتوزع على الجهات الأخرى داخل الوطن، و قد ألقيت المهمة على كاهل الإخوة الليبيين الضالعين في الأمر و المختصين في تهريب الأسلحة من قاعدة العظم البريطانية و معسكرات الجيش البريطاني المنتشرة في مختلف أنحاء برقة التي تعرضت للرقابة الشديدة من طرف الانكليز، و بالتالي انتقل نشاط التهريب إلى طرابلس.
لم تكن عمليات التهريب هاته بعيده عن المعنيين و هم الجزائريون، بل "تم الاتفاق مع السيد أحمد بن بلة الذي كان مقيما بالقاهرة، للانتقال إلى طرابلس الغرب و استلام مبلغ خمسة آلاف جنيه إضافية لتوفير أكبر كمية من السلاح و إعدادها للتهريب مباشرة إلى الجزائر، خاصة بعدما تبين امكانية انتهاج نفس أسلوب التهريب من قاعدة الملاحة الأمريكية و بواسطة أصدقاء بن بلة من الليبيين الذين لهم خبرة في هذا الشأن ولديهم فعلا كمية جاهزة للتسليم".
ما دامت الجهة الشرقية هي المنفذ الوحيد لدخول الأسلحة إلى الجزائر، فإن الشحنة التي قام السيد أحمد بن بلة بشرائها نقلت مباشرة إلى الأوراس و قد تم نقلها بواسطة الجمال على مرحلتين، الأولى من الحدود الليبية إلى منطقة التخزين داخل تونس، أما المرحلة الثانية، فكانت من منطقة التخزين إلى الأوراس مرورا بمنطقة الكاف و بمعرفة الجزائريين و اشرافهم على العملية بأنفسهم.
و بحلول عام 1955، وافقت الحكومة الليبية برئاسة رئيس الوزراء السيد مصطفى بن حليم على إدخال الأسلحة المهربة عن طريق مصر، و تخزينها بطرابلس الغرب حتى تحسين فرصة إدخالها إلى الجزائر، و قد كلف القائم مقام السيد عبد الحميد درنة القيام بهذه المهمة قصد تأمين إنزال شحنة الأسلحة في السرية التامة، و بالتالي جعل من داره نقطة تخزين أولية لإنجاح العملية و إبعاد كل الشبهات.
لقد استغل الجزائريون التسهيلات التي قدمت لهم من طرف اخوانهم الليبيين خاصة أوامر الملك إدريس السنوسي المتعلقة بدعم القضية الجزائرية ماديا و معنويا، حيث بادر أعضاء جبهة التحرير إلى العمل في هذا الاتجاه الذي حقق نجاحا كبيرا للقضية الجزائرية منه حيث الدعم العسكري، و بناء على نجاح العمليات الأولى لتهريب الأسلحة، كانت سنة 1956 بداية انطلاقة مميزة فيما يخص الدعم المادي الليبي للقضية الجزائرية، رغم المضايقات الغربية لها، حيث قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بالاتصال بقادة كل من انكلترا و الولايات المتحدة قصد الوقوف إلى جانبها في الضغط على الحكومات العربية المدعمة للثورة الجزائرية. منها الحكومة الليبية، و الهدف من ذلك هو قطع الطريق على أية إمكانية لتهريب السلاح إلى ا لجزائر.
لم تبخل الحكومة الليبية على دعم الجزائريين بأي شيء تملكه، بل أبدت كل الاستعداد لتنفيذ طلبات الجزائريين الخاصة بتهريب الأسلحة، و اعتبرت ذلك تحقيقا لرغبة الشعب الليبي في مشاركته في الجهاد مع أخيه الشعب الجزائري.
و ابتداء من عام 1957 سمحت السلطات الليبية لجيش التحرير الوطني الجزائري من تعيين فرقة عسكرية مستقرة في واحة فزان، بعد الاتفاق الثنائي بين القيادة الجزائرية آنذاك و الحكومة الليبية و مع والي فزان السيد عبد الجليل سيف النصر.
إن تعبئة الحكومة الليبية للشعب الليبي في دعم شقيقه الشعب الجزائري فتحت المجال واسعا أمام لجنة التبرعات لمواصلة النضال لصالح الثورة الجزائرية، و كانت المراسلات المستمرة بين أعضاء اللجنة و بعض قادة جبهة التحرير منها الرسالة التي بعثها السيد حسين آيت أحمد إلى أحد أعضاء لجنة جمع التبرعات البارزين و هو السيد المشيرقي يشكره فيها على الكتاب الذي أرسله إليه و كذلك الرسالة التي بعثها له في أول نوفمبر.
انطلاقا من الإيمان العميق بعدالة القضية الجزائرية وضرورة تجنيد كل طاقات الشعب الليبي لنصرة و دعم الثورة التحريرية كانت لجنة جمع التبرعات تواجه نداءاتها المتكررة للاستمرار في عملية الدعم و تتقدم بتشكراتها الخالصة لكل المتبرعين و هذا ما يعكسه النداء المعبر المؤرخ بطرابلس في 28 ماي 1962 و الموجه لجميع المواطنين وحتى اللجان الفرعية على مستوى المدن الليبية.
لقد قامت ليبيا حكومة و شعبا بواجبها العربي و القومي تجاه الجزائر و وقفت موقفا بطوليا تجاه شعبها، فكانت من بين الدول العربية السباقة في دعم القضية الجزائرية ماديا و معنويا.
المبحث الثاني: تجاه دول إفريقيا.
إن موجة حركات التحرر التي شهدتها افريقيا السمراء تبلورت إثر انعقاد مؤتمر باندونغ في أفريل 1955، و ظهرت كليا مع ظهور حركة عدم الانحياز في سبتمبر 1961 حيث شقت افريقيا طريقها بين المعسكرين فقيام الثورة الجزائرية مبكرا بالمنطقة و اتساع صداها خصوصا بعد فتح جبهة الكفاح المسلح في الصحراء في جويلية 1957 ساهم في تثوير القارة الإفريقية بأكملها ضد الاستعمار.
الجزائر كانت و ستبقى قلعة للثوار و الأحرار، و السند القوي لكل الشعوب المناضلة من أجل العدالة و الحرية، و مواقفها الأصلية ترجمتها إلى إعطاء دعم وإسهام مباشر في تحرير القارة الإفريقية. إن إعطاء ثورة الجزائر و جبهة التحرير الجزائرية كان عظيما و قويا و فاعلا، و ستظل كل الشعوب الإفريقية تذكر باعتزاز للجزائر دورها الرائد في تحريرها من الاستعمار، و تثمن جهودها في توحيد و تضمان القارة و شعوبها و النهوض بالتنمية و الاقتصاد فيها.
حين انطلقت جبهة التحرير الجزائرية، كانت معظم البلدان الإفريقية تحت الاستعمار. كان واضحا أن الاستعمار لن يتنازل عن مناطق كثيرة منها بسبب أهميتها الإستراتيجية و الاقتصادية إلا بالعمل المسلح مثل أنغولا، جنوب افريقيا و ناميبيا. اعتبرت جبهة التحرير الوطني باستمرار بأن عملها التحرري جزء مكمل و له تأثير متبادل من أجل تحرير إفريقيا ككل... إن كفاح الجزائر هو كفاح إفريقيا و انتصارها انتصار لأفريقيا جمعاء و أن معركة الجزائر في سبيل تحرير إفريقيا لتفرض على كل الأفارقة واجبات كبرى في تعزيز كفاحها و مساندة ثورتها المجيدة.
لقد وجدت حركات الاستقلال و التحرر الإفريقية في الثورة الجزائرية نموذجا ليس فقط في إخراج استعمار تقليدي بل نموذجا لمواجهة استعمار استيطاني خاصة في أنغولا، الموزمبيق، زمبابوي (روديسيا سابقا) أين تواجد المستوطنون بكثافة و بهدف البقاء الدائم، كانت كذلك دافعا قويا لبقية حركات الاستقلال لعدمك المساومة مع المستعمر مثل ما حدث في غينيا، الكونغو (ثم الزائير و الكونغو حاليا)، غانا و مالي، كما كان للثورة الجزائرية دور أساسي في إضعاف المخطط الفرنسي لإنشاء اتحاد المستعمرات الافريقية الفرنسية من أجل المحافظة عليها، والتركيز على حرب التحرير الجزائرية. كانت فينيا أول دولة افريقية ترفض عمليا و تحارب هذا المشروع. و في الأخير لا يمكن إبعاد تأثير الثورة الجزائرية تخوف الدول الاستعمارية من امتدادها لبقية المستعمرات و بالتالي لإسراع في التفاوض لاستقلال 16 دولة افريقية في سنة 1960 وحدها.
أما عن التأييد الإفريقي للثورة الجزائرية فقد كان محدودا و تضمن مظاهرات وندوات و نشاطات دبلوماسية خاصة من طرف بعض الدول الإسلامية.
لقد ساهمت كذلك كتابات و نشاطات ثوار متعاطفين بقوة مع افريقيا مثل فرانس فانون في دفع الدول الافريقية لاتخاذ موقف ايجابي تجاه الثورة الجزائرية، رغم ذلك يجب التذكير أن بعض الدول الافريقية التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي بسبب ارتباطها القوي بالمستعمر سابقا نتيجة حصولها على استقلال مشروط كان لها موقف سلبي تجاه الثورة الجزائرية، البعض منها مثل السنغال اتخذت مواقف موالية إلى فرنسا بما فيها مشاركة عناصر من جيشها في المعارك الفرنسية ضد جيش التحرير الوطني، حيث أن الموقف السلبي للحكومة السنغالية تجاه الثورة الجزائرية لا يعكس موقف الشعب السينغالي.
كان لبعض الدول الإفريقية مواقف جد ايجابية و متشددة ضد الاستعمار الفرنسي ومساندة بدون تحفظ للقضية الجزائرية دوليا والحرب التحرير الجزائرية داخليا.
1_ مؤتمر الشعوب الإفريقية آكرا ديسمبر 1958:
احتضنته العاصمة الغانية آكرا في شهر ديسمبر 1958 شاركت فيه الحكومة المؤقتة بوفد رسمي قادة السيد أحمد بومنجل بدعوة من رئيس جمهوريتها نكرومة، وشاركت فيه ثمانية بلدان افريقية مستقلة هي: غانا، مصر، إثيوبيا، ليبيريا، المغرب، السودان، تونس، و ليبيا.
و تمثلت أهداف المشاركة الجزائرية في كشف الأطماع الفرنسية بالمنطقة وممارساتها اللاإنسانية في الجزار، و التصدي لمشروعها الرامي إلى تكوين اتحاد الجدول الفرنكوفونية و قد تلقت فيه القضية الجزائرية دعم الدول الافريقي، حيث خلص المؤتمرون في اللائحة الختامية للمؤتمر إلى المطالبة بمنح الشعب الجزائري حقه في الاستقلال، كما استنكرت اللائحة السياسية الفرنسية الهادفة إلى دمج الجزائر، و مطالبة فرنسا، بإجراء مفاوضات عاجلة مع الحكومة المؤقتة الممثل الشرعي لإرادة الشعب الجزائري من أجل تحقيق الاستقلال و وقف إطلاق النار،" حيث درس رئيس وزراء غانا نكرومة خلال أكثر من ساعة، المشكل الجزائري في نطاق علاقاته مع تحرير القارة الإفريقية، و مرة أخرى جدد رئيس دولة غانا الشعب الجزائري المكافح مساندة و تضامن شعب غانا و حكومته.
و قد أعرب نكرومة عن عزمه على الاعتراف قريبا بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. كما شاركت الحكومة المؤقتة في الاجتماعين اللذين عقتهما اللجنة المسيرة المنبثقة عن المؤتمر الأول في ماي 1959 بتونس، و الثاني بأكرا في أكتوبر 1959.
2_ مؤتمر الدول الإفريقية المستقلة مونوروفيا أوت 1959:
انعقد هذا المؤتمر بالعاصمة الليبيري مونروفيا، من 04 إلى 08 أوت 1959 بطلب من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لمناقشة أوجه الدعم الممكنة من لدن الدول الأفريقية المستقلة. و بعد ثاني مؤتمر تعقده الدول الافريقية المستقلة، و قد حققت فيه الحكومة الجزائرية الفتية انتصارا ديبلوماسيا باهرا، بالإضافة إلى رفع العلم الوطني فيه لأول مرة بصفة رسمية، صادق المؤتمر على عدة توصيات كان هدفها التحضير للمناقشات التي ستجري بالأمم المتحدة حول القضية الجزائرية، و الاتفاق على دعم الثورة الجزائرية ماديا، و إعلان يوم أول نوفمبر "يوما للجزائر".
كما شكلت هذه المؤتمرات النواة الأولى لإبراز الشخصية الافريقية الجديدة بعد ظهور موجة التحرر و بروز دول سعت لدعم حركات التحرر الافريقية، و فتح باب جديدة أمام النشاط الديبلوماسي للحكومة المؤقتة.
لقد استطاعت الديبلوماسية الجزائرية أنتجند في صفها الدول الافريقية المعادية للاستعمار، و يتجلى ذلك في تحضير مناقشة القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة في إطار عمل اللجان تحضيرا للدورة الرابعة عشر 1959.
إن الذي أعاق نشاط دبلوماسية الحكومة المؤقتة 1958-1959 من النشاط بشكل كبير في دول القارة الإفريقية، خضوع معظم دولها للاستعمار، إضافة إلى جهل الدول الإفريقية الناطقة باللغة الانجليزية لوضعية الجزائر و أبعاد قضيتها العادلة، لانعدام النشاط الدعائي لجبهة التحرير الوطني بها، في حين كانت الدعاية الفرنسية بها جد نشيطة.
لقد كانت الحركة الدبلوماسية للثوار في إفريقيا متأخرة إذا ما قورنت بنظيرتها في القارة الأسيوية، فإلى غاية جانفي 1960 لمنشئ الجبهة أي مكتب لها في إفريقيا السوداء و هو ما دفع بوزير الخارجية بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى اقتراح فتح مكتب خارجي بآكرا العاصمة الغانية لعدة اعتبارات لموقفها الممتاز في غرب القارة أين تشهد تلك المنطقة تحولات وتطورات هامة. كما أنها تهمكن الجبهة من الولوج إلى افريقيا السوداء الفرنسية، و للسماح لممثل الجزائر بها للمشاركة في الهيئات الدائمة التي أنشأت بموجب قرارات مؤتمر آكرا للشعوب الافريقية.
كما أوصى وزير الخارجية في تقريره المقدم إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية ي دورته الثالثة بالعاصمة اللبيبة طرابلس" بإرسال بعثة إلى أديس بابا تتكون على الأقل من وزير في الحكومة المؤقتة، فقد بدأ من خلال مؤتمر آكرا بأن الملك الإثيوبي هايلي سيلا سي مستعد لاستقبال بعثة جزائرية. كما طلب من الوفد الجزائري في المؤتمر المذكور الاتصال بسفير إثيوبيا في القاهرة لضبط إجراءات هذه الزيارة ذات الأهمية البالغة..." حيث مشاركة الجبهة في المؤتمر الثالث لدول إفريقيا المستقلة المنعقد بين 14 و 24 جوان في العاصمة الإثيوبية أديس بابا.
هذه الإجراءات ستأخذ بعين الاعتبار بعد ذلك من طرف الحكومة المؤقتة الثانية 1960-1961، و ذلك بفتح ممثليتا عنها في بعض الدول الإفريقية المستقلة بهدفك مواجهة الدعاية الفرنسية و مخططاتها بالمنطقة، و تعزيز علاقاتها بالدول الإفريقية المستقلة حديثا مثل، فتح مكتب بالعاصمة الغانية أكرا و الذي سيترأسه عمر أوصديق، ومكتب باماكو _ مالي _الذي أوكلت إدارته إلى بوعلام أوصديق .
كانت القضية الجزائرية إذا حاضرة في جميع اللقاءات الإفريقية حققت فيها انتصارات لكن دون التوصل طبعا إلى إجماع الدول الإفريقية على أطروحات الجبهة التي ظلت تواجه معارضة من بلدان المجموعة الفرنسية- الإفريقية لأنها احتفظت بروابط متينة مع فرنسا و بقيت حريصة على مصالح هذه الأخيرة و مؤيدة لمسعاها بخصوص القضية الجزائرية. و مع ذلك حتى هذه البلدان غيرت تدريجيا موافقها من فكرة الاستقلال، كما هو واضح من مواقف بعثة الوساطة الثلاثية التي أرسلتها إلى تونس في منتصف نوفمبر 1960 لا قناع قيادة الجبهة باستئناف المفاوضات مع فرنسا.
في ندوة رؤساء الدول المنعقدة بالدار البيضاء في ما بين 3 و 6 جانفي 1961 تكرست نهائيا صفة العضوية الكاملة بالحكومة المؤقتة في المؤتمرات الإفريقية، رئيس الوفد الجزائري، فرحات عباس، حظي بالاستقبال و الاعتبار الخاصين برؤساء الدول في مثل هذه المناسبات.
و قد أسهم ضغط الثورة الجزائرية على النظام الاستعماري الفرنسي بقدر كبير في استقلال العديد من بلدان القارة، و التي لم تنس فضل الجزائر عليها فردت الجميل بمساندتها للقضية الجزائرية و سارت في مسار جمعها بالثورة الجزائرية ألا و هو مسار" محاربة الاستعمار".
8430 | 965,04/566 | المكتبة الرئيسية | Available |
7706 | 965,04/566 | المكتبة الرئيسية | Available |
11871 | 965,04/566 | المكتبة الرئيسية | Available |
11742 | 965,04/566 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available