كتاب
النبذة في تاريخ توات و أعلامها من القرن الهجري الى القرن الرابع عشر
اختلف المؤرخون في أصل التسمية (توات) ، وتاريخ اختطاطها ، بل وحتى في رسم حدودها ، فهناك من اعتبر أن "السبب في تسمية هذا الإقليم بتوات على ما يُحكى أنه لما استفتح عقبة[1] بن نافع الفهري بلاد المغرب ، ووصل ساحله ، ثم عاد لواد نـون ودرعة وسجلماسة[2] ، وصل خيله توات ، ودخل بتاريخ 62هـ، فسألهم عن هذه البلاد يعنى توات ، وعن ما يسمع ويفشى عنها من الضعف ، هل تواتي لنفي المجرمين من عصاة المغرب ، ينزله بها أو يجلّيه بها ، فأجابوه بأنها تواتي ، فأنطلق اللسان بذلك أنها تواتي ، فتغير اللفظ على لسان العامة لضرب من التخفيف"[3] وهو رأي انفرد به العالم محمد بن عومر (ت.ق13هـ).في حيـن نراه يـورد إلى هذا رأياً آخـر أكثر تداولاً وهـو الرأي الـذي أسهب في تفسيره وشرحه الشيخ سيد البكري (ت.ق14هـ) حيث يقول:" في سنة 518 هـ حيث غلب المهـدي[4] الشيعي سلطان الموحديـن على المغرب . بعث قائدَيـه علي بن الطيب والطاهـر بن عبـد المؤمن لأهل الصحراء وأمرهمـا بقبض الأتوات ، فعٌـرف أهل هذا القطر بأهل الأتـوات ، لأن السلطان قبلـه منه في المغرم"[5] ونرى البكـري (ت.ق14 هـ) يعلـق على هذه الرواية ويقول:" وهذه الروايـة أصحّ ولهذا اللفظ مسند في العربية. قـال في المصباح[6]: "التوت هو الفاكهه والجمع أتوات" ، فعرف أهل هذه البلاد بأهل الأتوات ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه… فصار توات بعد حذف التعريف والمضاف… وصار هذا الاسم على هذا القطر الصحراوي من تبلكوزه إلى عين صالح[7]" .
وهذا التفسير اعتمده كثير من المؤرخين[8] واعتُبر الرأي الأرجح في المسألة على ما يذكر الرواة . في حين راح البعض[9] الآخر ينحى بالكلمة نحواً بعيداً عن كل هذا وذاك وفي كل يبقى الاختلاف الأساسي في أصل اشتقاق الكلمة نفسها هل هو من الفعل واتى يواتى ، أو هو اسم للمغارم ، أي الأتوات ، أو هو غير هذا وذاك، وإنما هو اسم أعجمي يحمل دلالات خاصة تبعاً للغته الأم ، البربرية أو التكرورية[10] أو التارقية[11] أو العربية.
والمؤكـد في كل هذا أن منطقة توات ضاربة في أعمـاق التاريخ" ويرجـع تاريخ عمارتهـا إلى ما قبـل الإسلام[12] وكانت تسمى بالصحراء القبلية ، ثم كثرت عمارتها بعد جفاف نهـر قيـر[13] في غضـون القـرن الرابع الهجري"[14]. ولا أدل على ذلك من كثـرت الحديـث عنها في كتـب المؤرخين والرحالة العـرب والأعاجم كابـن حوقـل والحسـن الوزان والكرخي واليعقـوبي وابن بطوطة[15] (ت.779هـ) وابن خلـدون[16] (ت.808هـ) وأبـو سالم العياشي[17] (ت.ق11هـ) وعبـد الرحمـان السعـدي[18]، والقـاضي الفع محمـود كعـت[19] و الرحالة الحاج بن الدين الأغواطي[20](ت.ق13 هـ) بالإضافة إلى الرحالة الألماني جير هارد رولف (GERHARD ROLF)[21] والمؤرخان الفرنسيان مارثان (MARTIN)[22] وبرنارد (BERNARD)[23]. أما من علماء المنطقة ورحالتها المعروفين ، فقد كتب عنها الشيخ مولاي أحمد بن هاشم[24](ت.ق12هـ) والشيخ سيدي عبد القادر بن عمر[25](ت.1121هـ) بالإضافة إلى الشيخ سيدي عبد الرحمان بن باعومر التنلاني[26](ت.1189 هـ) والشيـخ محمد بن عبـد الكريم بـن عبد الحـق[27](ت.ق14هـ)، و الشيخ مولاي أحمد الإدريسي الطاهري[28] (ت.ق14هـ) والشيخ سيدي أحمد النحوي[29].
عُرفت منطقة توات على مر التاريخ بأنها أرض أمان واطمئنان وهو ما كان عاملاً أساسياً في توافد عدد كبير من العلماء[30] إليها من كافة الأقطار العربية والإسلامية ، على الرغم من كثرة جدبها ، وقلة رزقها . فهي معروفة بأنها "ذات سباخ ، كثيرة الرمال والرياح ، لا تحيط بها جبال ولا أشجار ، شديدة الحرارة المفرطة ، لا يكاد ينبت فيها إلا النخيل وبعض الأشجار القليلة لفرط حرارتها"[31]. وهي إلى هذا "لا تنكأ ظالماً ولا تمنع غانماً ، وهي أضعف بلاد المغرب قاطبة . غالب أهلها ضعفاء متضعفـون ولقلة ضعف أهلها ، وهضم قوة النفوس ، كثر فيهـا الصالحون والزهاد وأرباب القلوب"[32]. وهذه كلها عوامل شكلت الشروط الأساسية والمواتية لقدوم العلماء ، والزهاد ، واستقرارهم بالمنطقة . ومع مرور الأيام ازداد التواصل وتوسع ، وتكثفت معه أشكال التفاعل الحضاري ومن ثم انكبت النفوس على الطروس ، وراحت الأقلام تترجم الأحاسيس والمشاعر وتعبر في دهشة وإعجاب عن واقع هذا التفاعل ، ومن ثم كان لنا هذا العمر الزاخر بالمؤلفين والمؤلفات ، وفي شتى المعارف ، والعلوم وأستخدمت جل هذه العلوم والدراسات في خدمة كتاب الله ، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
10206 | 965,02/388 | المكتبة الرئيسية | Available |
10205 | 965,02/388 | المكتبة الرئيسية | Available |
10207 | 965,02/388 | المكتبة الرئيسية | Available |
10208 | 965,02/388 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available