كتاب
العراق و المصباح النووي - جدلية الممكنات المستحيلة
تلك هي البداية لكلّ من سعى لامتلاك سلاح نووي،إذ لاشيء يمنع من تحويل الإستخدامات السلمية - ومع مرور الوقت وبذل الجهد وتوافر إمكانات مادية وخبرات علمية – الى الأغراض العسكرية، خاصة إذا حصلت الدولة المعنية، على مساعدة أو عدم رفض من الدول الكبرى – وفي مقدمها أمريكا - .
الحالة المذكورة أعلاه، حصلت مع باكستان التي وجد العالم الغربي آنذاك، انه بحاجة الى حليف مسلّح بالقوة النووية، كي يستطيع إحداث نوع من التوازن، في منطقة حيوية هي الأكبر في العالم – قارة آسيا – يهيمن عليها عملاقان نوويان – الصين والهند – لم يكونا من الموالين للغرب، بل وليس مضموناً وقوفهما على الحياد، في حال وقوع صدام نووي بين الحلفين الجبارين – وارسو والأطلسي - آنذاك .
جاءت الأحداث العاصفة لتطيح بحلف وارسو، ثم تفكك مركز ثقله (الإتحاد السوفييتي) لكن باكستان كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز مشروعها النووي، وان إكتشفت أمريكا - وحلفاؤها - مؤخراً، انها لم تكن مصيبة تماماً في حساباتها الباكستانية - خاصة بعد ظهور طالبان وهيمنة فكر التشدد - .
في منطقة الشرق الأوسط، هناك دولة نووية واحدة حصلت على سلاحها النووي بمساعدة أمريكا والغرب، هي إسرائيل، التي لم يعد من مجال للشكّ في نوويتها، كما ان هناك بضع دول أخرى مرشحة لتصبح نووية بدورها، وهي على التوالي وحسب تسلسلها الإحتمالي :
1- إيران : لإمكانياتها العلمية والمادّية
2- العراق – قدرات علمية ومالية
3- تركيا – طاقات علمية وإمكانيات إقتصادية
4- السعودية – موارد مالية
مصر وسوريا – قدرات علمية
الذي يوضحه الجدول أعلاه،ان أية دولة من الدول المذكورة، ورغم مالدى كلّ منها نظرياً، فإن الحصول على السلاح النووي، ستكون قضية بذاتها يعترضها الكثير من العقبات، فعليها أولاً إقناع الدول الكبرى بأهمية مساعيها وضرورتها للعالم والمنطقة،
وهو مالا يبدو وارداً، لما تشكّله دول المنطقة ذات الطموحات النووية، من إلتباس وغموض، إن في تركيبتها السياسية ونظامها في الحكم، أو في طبيعة توجهاتها وأهدافها - الحالية أو المستقبلية - .
دولتان جرّبتا الدخول في هذا المعترك : العراق في الماضي القريب، وما آلت اليه النتائج،
وإيران التي تدخل في احتمالات المجهول،أما تركيا، فقد إكتفت بعضويتها في الحلف الأطلسي، ما يضمن لها غطاءاً نووياً عند الحاجة، كذلك هي لاتواجه تهديداً من هذا النوع في الوقت الحاضر، ولايبدو في الأفق مايشير إليه، لذا اتجهت لتعزيز أوضاعها الإقتصادية، وفيها لامس دخلها القومي، حدود التريليون دولار قابلاً للنمو .
وفيما كانت لسوريا محاولات أوّلية خجولة ضربت في بدايتها – قصف موقع الكبر - وقفت مصر عند مفاعيل معاهدتها مع إسرائيل من جهة، ومشاكلها الإقتصادية المتفاقمة من جهة أخرى .
أما السعودية، فقد إنهمكت في دعم التشدد ونشر المذهب الوهابي، وربما إعتبرت ذلك بمثابة البديل الأنسب للتسلح النووي، فالتشدد ومايقود إليه من أرهاب، هو الأسهل إستخداماً والأقلّ كلفة والأكثر قدرة على الإنتشاراً والتهديد والأصعب في مكافحته .
نظرة الى مصادر صنع القرار في كلّ من الدول المذكورة، تشير الى مركزيتها الصارمة، ففي مصر(1) وسوريا، يملك الرئيس صلاحية الإعلان عن الحرب أو شنّها، وفي السعودية، يرتبط ذلك بحقّ الملك الحصري، أما في إيران، فالمرشد الروحي – وهو القائد الأعلى – يتكفّل بالأمر بعد موافقته، فيما يستطيع أردوغان تحريك الجيش التركي الى دولة أخرى – خاصة بعد ترويض جنرالات العسكر – وإن كانت صلاحياته الحربية، أقلّ نسبياً من (زملائه) الآخرين .
هذا يعني – ضمن مايعنيه – أن سلاحاً خطيراً كالسلاح النووي، سيكون تحت رحمة شخص واحد في النهاية، وهو ليس مقيّداً بآليات دستورية وعملية، تحدّ من صلاحياته في هذا المجال .
المستخلص من ذلك، ان حصول أيّ من هذه الدول على سلاح نووي، سيخلّ جذرياً في موازين القوى الإقليمية بوجهها السياسي، تبعاً لاختلال الميزان العسكري، كما يحرج أمريكا في مواصلة قدرتها على التأثير في المنطقة، ببروز مركز ثقل نووي إقليمي، سيفرض نفسه بمختلف الوسائل .
في المشهد القائم، ترتسم صورة إيران المصصمة على المضيّ في برنامجها النووي، فيما يبدو العالم حائراً في التصرّف حيالها، دولتان فقط، قد تكونان مستعدّتين لاتخاذ خيار عسكري – أمريكا وإسرائيل – لكن مساهمة إسرائيل محدودة في هذا الجانب، إذ قد تقتصر على قصف جوي أو صاروخي، وبعض عمليات الكوماندوس والحر ب الألكترونية والإستخبارية، وهو ما لايبدو كافياً لوقف الإندفاعة الإيرانية، إذا لم يكن مصحوباً بدخول عسكري مباشر على غرار ما حصل في العراق .
ذلك يعني ان على أمريكا ان تكسب الى جانبها حلفاء، بإمكانهم إرسال جيوش تساهم في الغزو الأرضي المباشر إذا تطلب الموقف، كذلك الحصول على تسهيلات من دول الجوار الإيراني، وموافقة ضمنية أو معلنة من الصين وروسيا .
وإذا أُخذ بالإعتبار، مجموع الملفّات التي على أمريكا التعامل معها – ماهو قائم منها، أوما يستجد – الممتدة من كوريا الشمالية بتهديداتها، مروراً بإفغاستان بطالبانها وباكستان بإرهابها والعراق بمشاكله،وتركيا بتمردها، وصولاً الى تعقيدات القضية الفلسطينية، إمتداداً الى أفريقيا بسوادنها المضطرب بعد إنفصال جنوبه، وتونس المنتفضة، ومصر المتأهبة، وسواها من البقاع والبلدان التي لابد ان تستأثر بالإهتمام الأمريكي .
تلك العقبات مجتمعة، قد تجعل إيران في موقع المطمئن بإنها لن تتعرض لغزو عسكري مباشر، وان أسوء الإحتمالات التي يمكن ان تواجهها، قد لاتزيد عن عقوبات إقتصادية، أو ضربات جوية وصاروخية تكتيكية، يمكن تحمّلها ومعالجة ماينتج عنها .
أمام هذه المعضلات، يبدو البحث عن بدائل أخرى لمعالجة الملف الإيراني، يقترب من الممكن، وقد يكون من ضمنها، إيجاد حليف إقليمي يمتلك من المزايا مايجعله يعيد التوازن الى المنطقة، في حال نجحت إيران في طموحاتها النووية .
ليس في الأفق سوى دولتين يمتلكان من المزايا – وان النسبية – ما يجعلهما مرشحتين لأداء دور بهذا الحجم - تركيا أو العراق – لكن و مع الغربلة اللازمة لكلّ منهما، تظهر الإحتمالات التالية :
1: لاتستطيع أمريكا السيطرة أو الحدّ من النزوع التركي نحو إسلاميته، المتجددة بطموح أمبراطوري قد يحمل في طياته، السعي الى إقامة (عثمانية) جديدة بثوب معاصر، وهو مايجعل تركيا تزيد من إبتعادها عن إلتزامات حلف الأطلسي، وبالتالي فحصولها على السلاح النووي، يجعل منها قطباً محورياً يسعى الى الهيمنة منفرداً، بعد إزدياده قوّة، لقربه من مصادر الطاقة والمال،إضافة الى الأسواق المفتوحة، والمجتمعات المرّحبة بحماية تركية، تستطيع الوقوف بوجه أمريكا والغرب – المختلف دينياً - من جهة،و إيران – المختلفة مذهبياً - من جهة أخرى .
2: هناك جانب آخر مقلق في الوضع التركي، فمكوناته الإثنية والطائفية الكبرى – الكرد والعلويين خاصة والعرب استطراداً – مازالت تبحث عن فرصة للتعبير عن نفسها، وفيما انخرط الكرد في إعمال مسلحة، ينتظر غيرهم ظروفاً أفضل، ومايزيد في مشاعر القلق، ماواجه به أردوغان، مطالبة بعض النواب الكرد في إعتماد لغتهم (2).
وضع كهذا، يجعل بناءات الداخل التركي غير مستقرة، بل قد تكون قابلة لاهتزازات وتصدّعات لايمكن التكهن بنتائجها اللاحقة، خاصة إذا دخلت تركيا في عداوات وتحدّيات لقوى إقليمية ودولية قد تؤثر في الإستقرار التركي .
ماذا عن العراق؟ هل لديه من الميزات ما يجعله في موقف راجح ؟
بداية، لايظهر العراق نزوعاً إمبراطورياً كجارتيه الشرقية والشمالية – إيران وتركيا - وليس موطناً للتشدد الديني أو الشعارات القومية كما جارتيه الجنوبية والغربية على التوالي – السعودية وسوريا - وفيما خصّ مكوناته، فقد إستطاعت التعبير عن نفسها بكلّ الوسائل الممكنة- بما فيها العنف - وهي في طريق تشكيل قناعات بالحفاظ على وحدة بلدها، بعد ان كشفت التجربة عقم محاولات الإنشقاق أو التحارب، في ظلّ نظام ديمقراطي يتّسع للجميع ويبنى بمشاركة الجميع، كما انه مقبل ليكون عملاقاً اقتصادياً ورابطاً جغرافياً بين الشرق والغرب .
الأهم من ذلك، ان آليات اتخاذ ا لقرار في العراق، تبدو معقّدة الى درجة تبعث على نوع من التفاؤل الدولي، فلا الدستور المكتوب، ولا الواقع القائم، يسمح لأيما جهة عراقية بإعلان الحرب على دولة أخرى، ذلك قرار يتطلب موافقة مجلس النواب وتوافقات سياسية قد لاتكون متيسرة – الا إذا تعرضت البلاد لغزو خارجي، عندها يحقّ للقيادات المعنية تحريك القطعات العسكرية للدفاع، من دون إعلان الحرب - .
الجانب الآخر يكمن في ان التنوع السياسي والثقافي والطائفي والإثني في العراق،وعلى قاعدة الشراكة في صنع القرار واتخاذه، سيكون عاملاً إضافياً يسجّل في صالح البلد، إذ ليس منطقياً ان يتفق جميع العراقيين (على باطلهم) في ضوء مايجري في العالم،وعدم هيمنة جهة بمفردها على القرار العراقي، عكس مايحدث في الدول المجاورة .
المحصّلة من ذلك، ان العراق (النووي) قد يكون حلاّ ًللمعضلة الإيرانية،فهو بلد يشعر بقوته، وقد أثبتت التجربة بعد انتخابات 2010، ان ارتهانه لأحدى الدول الإقليمية أو السير في ركابها، ليس دقيقاً، فبلد لديه مصادره الخاصة للقوّة بمختلف أشكالها،ومجتمعاً حيوياً متنوعاً يمتلك الكثير لتقديمه، فهو عربي / كردي / تركماني، وهو، شيعي / سني، مسيحي، مايعني ان كلّ شعوب المنطقة تجد فيه شيئاً منها،ومع سعيه لأن يكون عامل استقرار وتطور، بعد خروجه من الحروب وويلاتها، ومع ثرواته الواعدة وديمقراطيته الفيدرالية السائرة باتجاه النضج، قد يكون بذلك، الإختيار الأنسب كطرف إقليمي يعتمد دولياً، ليس لمواجهة إيران بالضرورة، بل لجعل سلاحها النووي محدود اً في الإستثمار السياسي، أويتوقف عن جعله عامل ابتزاز وتفوق في المنطقة .
لايعني ذلك ان العراق سيصبح نووياً، لكنه إحتمال ينبغي الّا يغيب عن راسمي الإستراتيجيات العراقية، وان يإخذوا بعين الدقّة، المغزى من السماح للعراق باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ألم تخرج حكاية علاء الدين ومصباحه السحري من العراق ؟ فلماذا لاتعود الحكاية بمصباحها (النووي) هذه المرّة، مادام (علاء الدين) يتجّه للنهوض؟
(1) ذلك قبل التحولات الأخيرة في مصر، لكن جغرافية مصر المحاذية لإسرائيل ووضعها الإقتصادي الصعب وتركيبتها السياسية المتوقعة، ربما تشكّل عائقاً أمام قيادتها الجديدة،في محاولات الحصول على السلاح النووي .
(2) في جلسة للبرلمان التركي، طالب بعض النواب الكرد باعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية في تر كيا، فرفض أردوغان بحسم غاضب، كما رفضت أحدى المحاكم التركية الإعتراف لبعض المتهمين الكرد التحدث بلغتهم، وإشارت في هامش الدعوى ( يتحدثون بلغة مجهولة) . وكالات – 25/1/ 2011
746 | 956,0242/265 | المكتبة الرئيسية | Available |
747 | 956,0242/265 | المكتبة الرئيسية | Available |
748 | 956,0242/265 | المكتبة الرئيسية | Available |
745 | 956,0242/265 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available