كتاب
كتاب أثار إبن باديس م3
إن آراء العلامة عبد الحميد ابن باديس وحياته وأعماله المثالية قد أثرت عميقا في جميع من قربوه سواء كانوا من أصحابه أو من تلاميذ ته أو من مستمعيه. وظهر هذا الأثر أثناء حياته وبعد وفاته على جميع فئات الشعب الجزائري بما فيهم المثقفون باللغة الفرنسية وساهم، كل من أصحابه وأتباعه في إشعاع فكره ومؤلفاته وذلك بالتعليم والسلوك المستقيم. ولد عبد الحميد ين باديس في 4 ديسمبر 1889 بمدينة قسنطينة، وكان ينتمي إلى أسرة ميسورة يتصل أصلها بأمراء بني زيري الذين تولوا الحكم وكان من أشهرهم "بولوكين بن مناد" مؤسس مدينة الجزائر ومنهم أيضا "المعز بن باديس" الذي حارب الشيعة الفاطمية. وفي سنة 1903 عين له والده معلم ليقوم به وهو الشيخ "حمدان لونيس" الذي أثر في الطفل ، وكان هذا الشيخ من أتباع الطريقة التيجانية تعلم عليه عبد الحميد مبادئ اللغة العربية والمعارف الإسلامية الأولى ، وبعد ذلك ذهب إلى الكتاب واستظهر القرآن الكريم في وقت قصير.وفي تلك الفترة وقع حادث عظيم وهو زيارة الشيخ "محمد عبد" للجزائر 1903 وذلك سنتين فقط قبل وفاته : ولا ندري إذا كان عبد الحميد قد التقى بزعيم الإصلاح الذي ذاع صيته في المغرب منذ بعيد. قد درس الشاب كتب الشيخ وأخذه بآرائه، وتزوج بن باديس وهو في الخامسة عشر من عمره وأنجب ولدا إلا أنه توفي في حادث سيارة وهو في السابعة عشر ،ن ثم اتجه "أين حميد" إلى تونس سنة 1908 ليواصل تعليمه في جامع الزيتون، وهناك تعرف على عدد من الأساتذة والطلب، وذكر أنه تأثر باثنين من شيوخه، فساهما في تكوينه أكثر من غيرها، وهما الشيخ محمد النخلي والشيخ الطاهر بن عاشور وتميز العالمان باعتناق آراء الأفغاني وعبد وعبده في حين أن معظم الأساتذة كانوا متمسكين حرفيا بالسنة وجد محافظين. وفي هذه المدة ألف بن باديس رسالة رد فيها على "ابن عليوة" رئيس زاوية مستغانم.حصل ابن باديس على جائزة الزيتونة سنة 1912 وعلم فيها سنة كما جرت العادة بالنسبة للطلبة الذين أنهوا دراستهم وبعد ذلك انتقل إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ثم استقر في المدينة المنورة بعض الوقت والتقى فيها بأستاذه الأول الشيخ "حمدان لونيسي" الذي كان مجاورا هناك فأخذه عنه وحاز على لقب "العالم" ثم عاد إلى وطنه وفي طريقه مكث في القاهرة وأخذ عن بعض المشايخ منهم العالم "بالخياط" مقتي الديار المصرية ونال منه إجازة وتعرف على علماء منن مدرسة الإصلاح ولا سيما على الشيخ رشيد رضا وجماعته.استقر ابن باديس بمدينة قسنطينة سنة 1913 بعدما نضج فكره في الشرق وأخذ يتأمل أحوال الأمة الإسلامية. وكان قد تشبع بآراء النهضة وبمشروع "الأفغاني" و"عبده" في الإصلاح، وفكر في الأعمال التي كان عليه أن يقوم بها ورأى أن العمل الأول الذي يجب عليه هو نشر التعليم في عامة الشعب بعدما أدرك أنه من الصعب النهوض بالمجتمع الجزائري قبل أن يتحرر من الجهل. واعتنى أيضا بمحاربة الخرافات للرجوع الى الإسلام الصحيح، وبين أن المؤمن مخير في أفعاله ومن واجبه أن يعمل لأنه ليس لعبة في يد القدر.إن الإنسان مسؤول عن أفعاله والله يحاسبه عليها : فان فعل خيرا جازاه وان فعل شرا عاقبه : فعلى الإنسان أن يختار ما يريد وأن يتصرف في عمله ويستطيع أن يتخلص من الشعوذة بالتعليم والتفكير وتفهم القرآن والسنة النبوية : وكل شخص مطالب بالاجتهاد والعمل : هذا هو هدف الإصلاح وهذا هو السبيل ليسترجع المجتمع الإسلامي حيويته ويخرج من وضعية الانحطاط.وقد خصص الإمام ابن باديس الفترة ما بين 1913 و1925 للتدريس حتى تتوفر شروط النهضة ممن ناحية ويتكون المريدون من ناحية أخرى. فيتمكن من نشر الآراء الجديدة ولم يهمل تعليم الشاب ومحو الأمية لدى الكبار إذ فتح دروسا عامة بقسنطينة في مسجد "سيدي قموش" واعتنى أولا بالعلوم الدينية وفي سنة 1917 توسع مشروعه التعليمي فشمل الأدب والتاريخ والجغرافيا، وساهم معه المعلمون الذين تخرجوا من مدرسته وساعدوه أيضا على تعليم الكبار ليلا بمقر الجمعية الخيرية الإسلامية في قسنطينة، ثم أضاف الى ذلك الاتصال ببقية العالم ولم يظهر أي تعصب ولا قومية ضيقة ضد الثقافات الأجنبية بل رأى من الضروري الإطلاع عليها لمواكبة العصر الذين نعيش فيه ولا سيما فيما بتعلق بالمجال العلمي.وفي نهاية 1918 أنشأ ابن باديس المدرسة الأولى للبنات في قسنطينة بحي "سيدي بومعزة" وعلم فيه الشيخ مبارك الميلي. وعندما أقبل عليها عدد كبير من التلميذات أضاف إليها ابن باديس نظاما داخليا، وتنبه الشيخ الى فائدة تعليم البنات واعتبر من شروط النهضة الجزائرية وأقنع الأولياء الذين كانوا مترددين في ذلك أو محافظين بأنه ليس هناك سبيل آخر للتقدم، فكان هدفه تربية المرأة وتحررها مع احترام شخصيتها في حدود أخلاق الأسرة الإسلامية، وأنشأ الشيخ أيضا عدة مدارس في مختلف المدن الهامة وفتح المراكز الثقافية حيث يتلقى الشباب والكبار المتعلمون ومن أشهر هذه المراكز "نادي الترقي"الذي تأسس في مدينة الجزائر وهو يمارس نشاطه فيها إلى اليوم : وألقى فيه الشيخ ابن باديس دروسا ومحاضرات عندما كان يأتي للعاصمة وعمل على تأسيس جمعيات كثيرة موسيقية ومسرحية ورياضية في المدن والأحياء وساعدها في قسنطينة وغيرها : واعتنى كذلك بحركة الكشافة الإسلامية لتقوم بتنظيم الشباب وعمل على انتشارها في الوطن.وانتهج ابن باديس منهجية عقلية لاقتناع الذين لم يشاطروه الرأي أو انحرفوا عن الطريق المستقيم، ولم يستعمل الجدل ولا التعريض بهم بل كان يتلقى الآراء بهدوء ويقدم الأدلة الواضحة التي تساعد الخصوم على التأمل والاقتناع بما يقول، ولم يهاجم المدنيين والملحدين، وفسح المجال لكسبهم في يوم من الأيام، وتخلى عن التعصب الذي كان يسود المناقشات والمؤلفات إلى أن مال الجمهور إليه شيئا فشيئا وجلب إليه ببعض المثقفين الذين كانوا أبعد الناس عليه بحكم أفكارهم وتكوينهم، ولم يؤيدوا مدرستهم في أول الأمر ولم ينتهج الأسلوب هذا مع الاستعمار، فعارضه بشدة وحارب أنصار الإدارة الفرنسية ولم يتسامح مع معظم المستشرقين الذين أيدوا التصوف والطرقية إذ ركزوا على الخرافات قصد إقناع الناس بأن الأولياء هم الذين يمثلون الإسلام ونشروا السخرية والإلحاد بين المثقفين لإبعادهم عن دينهم وحملهم على الاندماج في السياسة الفرنسية، وقد استفاد الاستعمار من هذه الخلافات ولكن الشيخ ابن باديس واصل جهاده وفي النهاية كان النصر حليفه، انهزمت بعض الطرقية لأنها نشرت الخرافات ودعمت فكرة التواكل والكسل ولم تعتني بالتعليم كما كانت تعمل في بداية الأمر، فأصبحت آلة مسخرة في يد الإدارة الاستعمارية بل ساعدت على سياسة الاحتلال والاستبداد وفقدت شعبيتها، وقد حاول "ابن باديس" إرجاعها إلى سواء السبيل وطالبها بتغيير مواقفها، أبدى استعداده للتصالح معها إن فعلت ذلك وتخلت عن علاقتها بالإدارة الأجنبية (الشهاب مارس 1938) غير أنها لم تفعل وأصبح من الضروري تدعيم الحركة الإصلاحية في الجزائر ولخص "ابن باديس" مشروع عمله في ثلاث جمل مشهور "الإسلام ديني _والعربية لغتي_ والجزائر وطني". وعمل على تحقيقه بكل ما لديه من قوة وإخلاص، ولهذا الغرض أسس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" بتاريخ 5 مايو 1931 في مدينة الجزائر وشارك في الاجتماع الذي جلب ابن باديس وأصحابه ممثلون من مختلف أنحاء القطر وتم انتخاب ابن باديس رئيسا للجمعية وتم انتخاب المجلس الإداري ولها وكان من أعضائه الشيخ "البشير الإبراهيمي" والشيخ "مبارك الميلي" والشيخ "العربي التبسي" والشيخ "الطيب العقبي" وغيرهم، وحددت جمعية العلماء أهدافها في النقاط التالية :_ التعريف بالإسلام على حقيقته، ومحاربة أعدائه ومحرفيه، والاعتماد على الاجتهاد والمنهج العقلي ورفض التقليد الأعمى على أن يكون القرآن الكريم والسنة النبوية أساس الإصلاح الديني. والتوجيه الإسلامي لا يقبل الخرافات والبدع، ويجب ارتباط النشاط العلمي بالتأمل النظري ولا سيما في محاربة بعض الطرقية التي تحولت إلى أداة التجهيل في يد النظام الاستعماري، فسهلت سياسة الاستبداد والاندماج وهذا ليس في مصلحة الأمة، وفي النهاية يكون خلاص الأمة في توحيد الفكر والعمل الذي أصبح واجبا وطنيا، وتتجسد الوحدة الإسلامية في بناء المدارس والمساجد والنشاط الصحافي والثقافي لنشر الوعي في الأمة.يتميز الشيخ عبد الحميد ابن باديس بالنزاهة والشجاعة بمختلف أشكالها إذ دافع عن أفكاره ضد الخصوم وثبت على مبادئه رغم الصعوبات والعراقيل ولم تستطع قوى النفاق والغدر أبعاده عن طريقه أو التقليل من عزمه. وإذا قمنا بمقارنة بين كثرة أعماله وقصر عمره أدركنا أنه قد ضحى بحياته في خدمة وطنه وشعبه ودينه وتوفي يوم 16 أبريل 1940 وهو الواحد والخمسين من عمره، وفي مثل هذه السن يكون الإنسان عادة في قمة فكره ونشاطه، وتخليدا لذاكرة يحتفل الشعب الجزائري سنويا بشخصية ابن باديس وأعماله في "يوم العلم" الذي يصادف تاريخ وفاته، وهكذا بقي هذا الرجل العظيم حيا في ذاكرة شعبه وأمته، ويمكن أن نذكر من مؤلفاته "مجالس التذكير" في التفسير وفي الحديث ومقالاته الكثيرة في "الشهاب" و "البصائر" ومحاضراته في مختلف المدن…
17849 | 922,092/131 | المكتبة الرئيسية | Available |
17857 | 922,092/131 | المكتبة الرئيسية | Available |
9983 | 922,092/131 | المكتبة الرئيسية | Available |
17853 | 922,092/131 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available