كتاب
لاروكاد
تتجه الحكاية في رواية "لاروكاد " (1) للروائي عيسى شريط الحائزة على جائزة مالك حداد للرواية مناصفة مع رواية " السمك لا يبالي " للروائية إنعام بيوض سنة 2004 إلى عمق المجتمع الجزائري عبر تحليل دقيق من خلال بطلها المحوري " التهامي " المقاول الذي حقق الثراء الفاحش في مدة زمنية وجيزة بفضل الخدمات التي يقدمها له شريكه في النهب و الإحتيال "سحنون " المسؤول بالبلدية بالإعتماد طبعا على بعض التقنيات و الإستملاكات الجمالية ذات الطابع المشهدي في سلسلة من المقاطع تتجمع لتتوانز في منظومات مشهدية برعت رسمها " عين السارد الرائية " داخل حي "لاروكاد " أو الحي الذي كانت تسكنه الجالية اليهودية قبل جلاء الإستعمار الفرنسي عن بلادنا و بالذات في ساحة مقهى " فريد الأطرش" الذي يديره " علي القهواجي " وبينما الحياة تستمد معناها و جوهرها من قوة المال و الجاه فيما الفقر و قلة الحيلة يتهدد الكائن في كل لحظة و يسكنه شعورا حادا بالخواء و الرعب ترسم " عين السارد الرائية " ملامح طبقة إجتماعية مالكة جديدة استطاعت في وقت وجيز السيطرة على دواليب الإقتصاد و ممارسة نفوذها المالي شبه المطلق و كما تقابل سلطة المال الحاجة و الفقر يقف الجمال و الشهوة في الإتجاه الموازي إذ تطفو على السطح في حي "لاروكاد " علاقة مشبوهة جمعت "شويحة " المعلم بالمرحلة الإبتدائية بجميلة زوجة التهامي
وهي علاقة قديمة كانت تربط الإثنين قبل أن تصبح جميلة زوجة للتهامي إذ أن جميلة قد أجبرت من طرف ذويها على الإرتباط بالتهامي لفضائله الكثيرة على والدها و إعزاءه بالمال لذلك لم تنطفىء جذوة ما كان بينهما بل ازدادت عنفوانا و كأن العاطفة و المال يتآلفان في مدونة حكائية تعج في الداخل بمتناقضات وعي الكائن بين القوة و الوهن وإذ الشعور باللقاء
و حرارته ليس إلا جرحا عميقا يعود نزيفه إلى الطفولة من أجل ذلك كانت تتم لقاءاتهما بعيدا
عن أعين رواد مقهى فريد الأطرش أي في سوق الأحد حيث تأتي جميلة بالأموال و الجواهر لعشيقها شويحة لادخارها تمهيدا للإنفصال عن زوجها وولي نعمتها التهامي فيندفع شويحة بأقصى ما يملك إلى الفرار من الماضي و من رعب النهاية يؤثر القوة على الوهن و المال على الأخلاق و الإبتزاز على القناعة
وبهذا المذهب في الوجود يعتقد أنه قاب قوسين أو أدنى من أن ينقض على الإرث و الفريسة معا كي يستأثر بهما لنفسه مستخدما شتى الوسائل و السبل في الوصول إلى المبدأ الأساسي الذي هو الإنتصار لاقوى القوى ممثلا في المال فتنتصر في الحكاية قيم المال على الأخلاق و يسود مفهوم جديد للسلطة أفضى إلى هيمنة قوة جديدة صاعدة غيرت عديد الوقائع و القوانين فترسم " عين السارد الرائية " في هذه الرواية صورة المجتمع الجزائري و تحديدا صورة " الجزائر العميقة " في راهنيتها السياسية و الإقتصادية ذات الوجه " الليبرالي المتوحش " إذ تنفذ من خلال حكاية التهامي و سحنون من جهة و المعلم شويحة و عشيقته جميلة و حسين المسرح الكاتب المسرحي المغضوب عليه من طرف السلطة و المجتمع معا عبر المراوحة بين الماضي و الحاضر ... الغنى والفقر ... الجهل و العلم إلى قوانين الوجود الإجتماعي الراهن فتصفه بضرب من المحاكاة اقتضاها إتباع نمط " الحكاية المتناظمة في معتاد السرد التعاقبي " حسب تعبير الناقد التونسي الدكتور مصطفى الكيلاني فيتهدم مجتمع كي يقوم على أنقاضه مجتمع جديد يحمل آثار المجتمع السالف وفي غمرة هذا الصراع يمارس التهامي نفوذه وسطوته و يتحالف مع سحنون للفوز بمشاريع وهمية و صفقات مشبوهة و يرتبك المشهد كأن "عين الكاميرا الرائية " تنقل الوصف من دائرة الفرد " التهامي" و الأسرة إلى ساحة مقهى فريد الأطرش و حي لاروكاد ... تجول " عين الكاميرا الرائية " كي تستقر في حيز من الإسترجاع اعتبارا من أن عبارة " الإسترجاع " تعني هنا استخدام الرائي تقنية القطع و الإسترجاع أو المونتاج " MONTAGE " و هي تقنية سينمائية خالصة برع الروائي عيسى شريط في توظيفها بمهارة فائقة حيث سلط ضوء الرؤية على التهامي و جميلة و المعلم شويحة و حسين المسرح الذي وفر له ضابط الشرطة الحماية و الوقت الكافي لاستخراج جواز السفر و الفرار إلى خارج الوطن كونه يعلم أنه بريء مما يحاك حوله من جرائم نسبت إليه بينما منفذوها هم التهامي و سحنون و غيرهم من مافيا المال و الفساد
وها هم في الأخير أمام العدالة يدفعون ثمن ما اقترفت أيديهم من آثام وقد " وجه قاضي التحقيق اتهاماته بنرفزة و كان التهامي يجلس قبالته برفقة محاميه الخاص بينما أحيل سحنون و جماعته مباشرة على السجن في انتظار المحاكمة فيما ظل التهامي رهن التحقيق " ص 270 -271
إن واقعية النص الروائي في رواية " لاروكاد " تنقلب فجأة إلى رمزية خافتة ... تلك الجملة السردية ترتد في خاتمة الملفوظ السردي و تقطع حبل الانتظار " الضابط في مكتبه تفقد غلاف الرواية التي أصدرها حسين المسرح وانصرف ...كانت سيارته تجري ...تخترق شوارع المدينة الجديدة ... سكناتها تفتقر إلى المعالم الجمالية " ص 276 -277 فتكتسب الرواية المشهدية علامات الانفتاح على الثقافة السينمائية حتى و إن حافظت على تناظم المحكي و كرونولوجية الوقائع و استجابت لضرورات " كتابة المطابقة لضرب من الالتزام " حسب تعبير مصطفى الكيلاني وهي في النهاية توسلت بأساليب مختلفة كاعتماد التوصيف المشهدي القابل لأي تحويل سينمائي أو تلفزيوني و إرباك منطق التوالد الذي يحيل الأحداث على أسباب معلومة يتقبلها القارىء , المشاهد , دون كبير عناء في التأويل بنقل الموصوف المشهدي من الواقعية إلى الرمزية ... إن الإبداعية الروائية في هذا النص الروائي تكمن أساسا في الرؤية البانورامية التي تؤرخ بالنص الروائي و من خلاله للمجتمع الجزائري في تحولاته الجذرية و النوعية على الأصعدة السياسية و الإقتصادية و الأمنية و تمنح القارىء المشهد أو الإطار الذي يساعد لا محالة على إدراك عديد القضايا و الرهانات و الأسئلة التي تتناولها نصوص الروائيين الآخرين من ذوي الحساسية المغايرة وذلك عند مقابلة مختلف الملفوظات الروائية
19497 | 813,03/ 1938 | المكتبة الرئيسية | Available |
19494 | 813,03/ 1938 | المكتبة الرئيسية | Available |
19495 | 813,03/ 1938 | المكتبة الرئيسية | Available |
19496 | 813,03/ 1938 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available