كتاب
ازدواجية العقل - دراسة تحليلية نفسية لكتاب حسن حنفي
منذ عصر الجرح النرجسي، أي منذ صدمة اللقاء مع الغرب واكتشاف العالم العربي تخلفه في مرآة أوروبا المتقدمة، والنخب المثقفة العربية تعاني من ازدواجية عضال: المنافحة عن الذات في مواجهة الوافد الغربي، ونقد الذات لانتشالها من هوة التأخر والفوات الحضاري. ومن ثم وجدت النهب المثقفة العربية نفسها في موقف سيزيفي منهك للقوى، إذ كان شأنها كشأن من هو مضطر إلى أن يردم باليسرى ما يحفره باليمنى. الوارث الأكبر لهذه الازدواجية هو حسن حنفي الذي أراد أن يجمع في شخصه بين الفيلسوف والفقيه، وفي فكره بين الانتصار للحداثة والانتصار للقدامة، بين طلب التماهي مع الغرب وطلب فك الارتباط مع الغرب، بين نقد التراث إلى حد الهدم والدفاع عن التراث إلى حد الأمثلة.
هذه القدرة على قول الشيء وعكسه، في آن معاً ومن جهة واحدة، هي التي تعطي فكر حسن حنفي نكهته الخاصة كفكر فصامي منسوج لحمة وسدى بالتناقض، ومزدوج بين استراتيجيتين: نقد لامتناهي الجرأة للذات ولموروثها وصولاً إلى انتهاك المقدسات، ومنافحة تعظيمية عن الذات موروثها قد تأخذ حتى شكل الهذاء.
عندما تكون الازدواجية مرفوعة على هذا النحو إلى مستوى منهج التفكير، فإنه قد لا يعود أمام الدارس من منهج آخر لتشخيص الحالة سوى التحليل النفسي. وهذا ما يفعله طرابيشي عندما يدرس كتابات حسن حنفي بوصفها حالة فردية خاصة من "العصاب الجماعي العربي" الذي رصد أعراضه في الجزء الأول من "المرض بالغرب".
7727 | 189,19/180 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available