كتاب
زمن الأباطرة
تتجه رواية زمن الأباطرة نحو عمق الأزمة؛ ليست الفردية بل تلك الأزمة المتشعبة وذات الأبعاد التي ألمت بالمجتمع الجزائري على الأخص وتحديدا في بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، التي أخذ وهج الدولة الوطنية في التلاشي لأسباب عديدة ومنها على الأخص السبب الاقتصادي وانهيار سعر الذهب الأسود. ولكنها لا تتناول المشهد مصادفة ولا بطريقة اعتباطيه بل هي تغوص في مشاهد كانت مؤثرة في إتيان الانهيار بذلك الشكل الذي صدم الرأي العام للمجتمع. ذلك المجتمع الذي عانى استعمارا بشعا ولمدة طويلة جدا ووجد نظاما يوفر له كل شيء دون الاجتهاد في أي شيء. هنا، كان وسط تغير المناخات… تسرب مدرسي شنيع. شبه إفلاس للبنى الصناعية وشح المال العام الذي كان يغطي على كل شيء. ثم؛ تسريح غير مدروس للعمال تحت ضغوط المؤسسات الدولية القارضة. الرعب! انها البطالة. لم يكن الفرد الجزائري قد عرف لها من طعم بعد الاستقلال. وهنا عرف، وتيقن بأن هذا الزمن هو زمن الأباطرة. ليسوا طارئين بالمرة فهم موجودون من قبل وحتى أنهم يتدخلون في كل شيء ويجهون الدفة حسب مصالحهم. أباطرة في كل مكان ولكن ثقلهم بدا ظاهرا للعيان بسبب شدة الأزمة. إذن، الرواية تتكلم عن في القسم الأول منها عن غياب حرية التعبير أو بعبارة واضحة مصادرة هذه الحرية تحت مسميات من مثل الاشتراكية احسن الحلول وليس اللبرالية التي هي لدى أصحاب الشأن إمبريالية. والفرق واضح بينهما. لا صحف إلا صحف النظام ولا رأي إلا رأيه؛ أي التوجيه عمودي وليس أفقي. وبذلك ضاع وجه التحليل وإبداء الرأي وساد الفكر الواحد أو بتعبير آخر خلق مواطن وبالتالي إنسان ببعد واحد.
القسم الأول يغطي كامل مرحلة ما قبل العشرية الحمراء – الحرب الأهلية التي فرضها الاتجاه الإسلامي على الدولة الوطنية التي اشتم ضعفها وعلى الشعب الذي عندما انتفض في الخامس من أكتوبر ثمان وثمانين لم يطالب إلا بالعمل وزوال الاضطهاد. وغرقت البلاد وسط الفوضى والدماء.
كانت الرواية في هذا القسم قد وضحت وناقشت وأبانت جذور المأساة وعالجت روائيا المعضلة ومن جميع وجوهها. هذه ،هي جذور الأزمة التي هي أزمة قيمية بتعدد الأبعاد.
ومنه كان القسم الثاني للرواية الذي هو ناتج عن وجوه المعضلة التي تكلم عنها القسم الأول. فراغ؛ ليس بالمعنى المادي فقط بل هو فراغ في وجود أسس المواطنة التي تقي الإنسان من أي انزلاق. وانزلق كل شيء. أصبح للرصاص لغة. وللسلاح الأبيض لغته عندما لا يتوفر الرصاص أو عند الحاجة للاقتصاد فيه. أول ضحايا الموجة البربرية هم نحن من شرائح الثقافة والصحافة. ذهب العديد منا كما بختي بن عودة والمسرحي الكبير عبد القادر علولة على سبيل المثال وليس الإحصاء.
المتن الروائي كان يغوص وسط الناس البسطاء، ينقل خلجات يومياتهم التي كانت دامية. معلمون بسطاء كانوا يذبحون بغدر مقيت. ولم يوفر الارهاب لا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء. الجميع وقود يشعل الأتون. وكان الأبرياء يقاومون. كانت المقاومة تتخذ أشكالا متعددة. صمود منقطع النظير. بالقلم. بالصورة. بالمقال الصحفي. وغير ذلك. تلك هي أجواء رواية زمن الأباطرة التي تؤسس لإبداع ملتزم بواقع الجزائر في زمن مفارق. هو زمن التحولات من التوجه الواحد والحرية التي جاء بها شباب انتفاضة الخامس من أكتوبر العظيمة ومرحلة الإرهاب. ثم تباشير كانت تطل من خلال سرد الرواية لعوالم جديدة هي منظورة ولكنها غير معلومة لأن الإبداع هنا،- وكما هو معروف- لا يقدم إجابات بل يثير ويلح ويبلور أسئلة غير الأسئلة الفلسفية المجردة، بل هي من أتون واقعها وهنا بالنسبة لزمن الاباطرة واقع الجزائر في زمن محدد.
11186 | 813,03/1192 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available