كتاب
خراب
ماذا يقول “عمران ” ؟
وماذا تقول قصصه القصيرة وهو يمارس فن القص المسمى خراب ” ؟.
” خراب” المجموعة القصصية التي وقِّعها “عبد الحميد عمران” خلال مرحلة عايشها بكلّ تفاصيلها، وبكلّ أوجاعها ، لتقول ما يجب أن يقال،
وما يجب أن يعرّى، في لحظة خلّفتها المعاناة من واقع تحوّل إلى خراب واندثار، وعدم أفرزته تراكمات الزائف والعبثي، فكان الوجع يكبر كلّما لامس هذا الواقع وتغلغل فيه، ليقبض بالحقيقة، يكاشفها حائرا، ساخرا من كلّ ما يحيطه من زيف، ومن خراب .
القص عند “عمران ” يتخذ مسارا معينا، ونمطا واحدا، وإبداعية أيضا، حيث يحدّد شكل الصورة بكلّ أبعادها وتفاصيلها، وبملامحها الظاهرة والخفية، فيركّز على نقاط تشمل تلك الصورة بأكملها، ثم يحيلها إلى أخرى مفكّكة، تتضح بحالة واحدة تظهر ( بضم التاء) جانبا معينا أو الوجه الآخر الذي يحمل التناقض والإشكال.
صورة مشبعة تشخّص مشهدا واضحا من مشاهد واقع خانق، وتختصر كل المشاهد عند نقطة شائكة تبعث الريب والحيرة، لتبقى منفتحة على ذاتها، و منغلقة عليها في الآن نفسه، في نهاية تحمل شكلا واحدا هو الخراب والعدم الذي تنتهي إليه الأشياء التي تبقى هاجسا يقلق الذات، ويشغلها حدّ الحزن والأسى.
*”كان يرسم : ” بيتا يزين زواياه بالأحلام ..” …فجأة هبّت عاصفة الخريف الممطرة محت رسمه “.1
*”مشطت ماريا شعر دميتها الصغيرة… فكرت ماريا ثم تخلّت عن دميتها..وصادقت قطة مرسمة في إطار على الجدار.”2
*”صنعت ماريا صنارة ورمتها في البحر ..اصطادت سمكة كبيرة..وطلبت صداقتها… فجأة دخل أخوها وصاح فيها أنّبها لأنّها تعبث بأدواته…حزنت ماريا كثيرا وذابت في بكاء طويل..”3
تخيب الأماني، يضيع القرار، تختفي الصورة الرسم، ليغدو الحلم سرابا ينتهي في بدئه، حدوده.
القص عند “عمران “محاكاة للواقع بكلّ ما يحمله من تناقضات، وسخريّة في الآن نفسه من هذا الواقع الذي يحيله إلى ذات متعبة بتفاصيل البوح وبالحكاية التي تظلّ تقلق هذه الذات المتأملة للحياة بكل حالاتها، وهي تدرك أنّ الوجوه تختفي وراء أقنعة تسقط في اللحظة الحاسمة، وتتعرّى لتخلّف وراءها التعب الكبير..
“عبد الحميد عمران” في قصصه القصيرة والقصيرة جدا يسرد الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها مهما كانت ملامحها، ويحاكي الواقع دوما بكثير من الصدق الذي يحمل فنية الإبداع ، والأدبية التي تقودنا إلى ملامسة الصدق المنبعث من عبد الحميد الانسان قبل كل ذلك، والصدى الحارق داخل الأنا الساردة.
إنّ قصص “عبد الحميد عمران” تحمل حرقة الذات وصهيل أحزانها، ذات ترنو إلى شرفات الصدق والوفاء، وتبحث عن الأصل المؤسس للقيم الخالصة ، فتناشد مواطن الانعتاق من أوجه الصخب والفوضى وأشكال الزيف والعبثي، وتدعو إلى احتواء الحقيقة وملامستها، ورفض الوهمي الذي يضيّع الإنسانية ويقيّدها في لحظات الإغراء.
“خراب ” دعوة لإعادة الوجه إلى صورته الأولى، إلى نبعه الأصل، وقلب الأشياء لتشكيلها خالصة بهيّة.
9174 | 813,01/914 | المكتبة الرئيسية | Available |
8869 | 813,01/914 | المكتبة الرئيسية | Available |
9856 | 813,01/914 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available