كتاب
دائرة الحلم والعواصف
غادر البيت صباحا.. الصقيع يجمد الأطراف .. الزفير يصبح بخارا يتصاعد في الهواء .. روائح القهوة المحمصة تملأ خياشيمه وتفتح عينيه .. حتى القهوة لم يعد يستطيع الحصول عليها ، فأصبح يفطر على وريقات الليمون المغلاة ، أفكار كثيرة تجول في رأسه ، لقد طرق كل الأبواب بحثا عن عمل ، ولكنها جميعا سدت في وجهه ، الجوع يهدده ويهدد عياله ..
الآمال الضائعة
فجر هذا اليوم ، في تلك القرية النائية ، ميزه الجو العاصف الذي صب جام غضبه عليها برياحه وأمطاره.
الكوخ الصغير الجاتم في آخر المنحدر يريد أن ينتصب ، ولكن دون جدوى ، فسقفه مهدد بالانهيار كلما مر إعصار.
ارتعشت "سعدى" وهي تدخل رأسها تحت الغطاء من هول هذه العواصف متشرنقة حول نفسها كقطة مذعورة .
ن يطلع القمر
لكأنما القمر وهو يلقي بخيوطه الرمادية الناعمة التي تتراءى عبر زجاج النافذة بصدد أن يخفف عن الكائنات حرارة الأنفاس حين تلهب الجو .
أطفأت "فاطمة" ضوء مصباح غرفتها الفاتر وضمت لصدرها رزمة أوراق بيضاء بين يديها ، ثم عادت فأضاءت الغرفة من جديد وأخذت تفتحها واحدة تلو الأخرى ، تلقي نظرة خاطفة على هذه وتطالع بعض السطور من تلك .
سيــــعود
ما أن أرمي بمحفظتي إلى أي ركن بالبيت في كل عطلة حتى أحمل الحقيبة الجلدية لأنطلق إلى أخوالي في الريف .
حيث الحقول الشاسعة ، أشرب من كل نبع ، وأقذف برجلي كل حصاة تعترض طريقي .
استقل الحافلة قبل طلوع الشمس وأزجي الوقت متسليا بمراقبة الأشجار المتسابقة على حافتي الطريق وأنا أفكر بجدتي التي تكون في مثل هذا الوقت مستغرقة في تأدية الصلاة .. وما أكاد أفتح الباب الكبير لبيتها حتى أسرع نحوها وأجعل رأسي في صدرها لتطبع عليه قبلاتها قبل أن تشرع في مساءلتي عن والدتي واخوتي واحدا واحدا، ثم لا تتركني أغادر مكاني قبل أن تقدم لي البيض أو الفطير . لا ألبث بعد هذه المراسيم أن أعبر حقول الجيران غير آبه بنباح كلابهم حتى أصل كوخ "رنجية" مجنونة القرية كما يسمونها، إن تاريخ تعرفي عليها ، لا أستطيع أن أنفض الغبار عنه لأتذكره . فمنذ صغري وأنا أزورها في كل مرة أذهب فيها لرؤية جدّيَ العجوزين .. لا أخافها رغم ما تنسجه أفكار الصغار عنها :
أنها تخرج ليلا من كوخها وتخطف الأطفال .
8767 | 813/771 | المكتبة الرئيسية | Available |
8622 | 813/771 | المكتبة الرئيسية | Available |
9249 | 813/771 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available