كتاب
من روائع البيان العربي
اشعار رائعة .. حكايات جميلة .. موضوعات مثيرة .. حكم بليغة .. اقوال فصيحة .. ذوق رفيع في الاختيار .. انها حكاية تراث الاجداد الاجداد الذين رسموا بعبقريتهم اجمل روائع البيان العربي وقدموه إلى العالم عبر التاريخ .. انها كنوز الأدب البليغ التي منحتها امتنا للبشرية من خلال منجزات حضارية مرموقة، لايستطيع احد التنكر لجذورها لأن حاضرها لازال امتدادا لماضيها، وترسيخا لأصالتها التي لازالت شامخة ومتألقة بتراثها الذي يعكس تاريخها ..
الكتاب الصادر مؤخرا عن دار الشرق للطباعة والنشر في دمشق للباحث محمد مروان جميل مراد، حمل بين ثنايا طياته اجمل معالم تلك الكنوز الثمينة التي كانت منارة للرقي والتقدم بعد ان توهجت اشعتها واضاءت العالم شرقا وغربا، وسجلت قصة الحضارة التي بناها العلماء والادباء والتي عمت خيراتها واشراقاتها على العالم، ويبين المؤلف في مقدمته تاريخ هذه الامة الحية وما عانته من تكالب الشعوب عليها وكيف صمدت بوجه كافة انواع القهر والاستبداد دفاعا عن وجودها وكرامتها وهويتها، كما يبين كيف حافظت على ذخائرها النفيسة وفي مقدمتها «اللغة العربية».
شواهد العبقرية
لقد حاول مؤلف الكتاب ان يقلب صفحات سجل الأمة الذهبي، وشواهد العبقرية العربية، المجسدة في إرث المبدعين في شتى ميادين الخلق والابتكار: يفتنه فن إسلامي راق بكل صوره، ومصنوعات عريقة يسَّرت للإنسانية سبل الرفاه والحياة الأفضل، ومؤلفات غنية بمضامينها في جوانب المعرفة المختلفة، كان العلماء المسلمون سباقين إلى ينابيعها، أسخياء في إهداء ثمراتها اليانعة إلى باقي الأمم. وقام المؤلف مشكورا بجمع غيض من فيض من الاخبار «الجواهر الفريدة من حكايات العرب وحِكَمِهم وأمثالهم وأشعارهم ونوادرهم وما اكثرها»، والتي تُمثِّل ذلاقة ألسنة العرب، وبلاغة المعاني عندهم، وحكمة المنطق لديهم، وجمال الأسلوب في كلامهم، وما يضاف إلى ذلك من فصاحة في اللفظ، وحسن تصرف في الإبانة والتعبير والوضوح.
ان من أروع شواهد هذه العبقرية، وأكثرها جمالاً وألقاً، هو: اللغة العربية ... وهي اللغة التي شرَّفها المولى جل شأنه وأنزل بها كتابه الكريم، والمتتبع للتاريخ العربي سوف يجد أن اللغة العربية قرينة للتقدم والرقي .. ففي العصور التي انتشرت فيها الحضارة العربية تنير دياجير الغرب، كانت العربية تعيش حياة معززة مكرمة .. ولهذا لا نعجب عندما نستمع إلى البيروني ذلك العالم الجليل وهو يقول: (لئن هجوتني بالعربية أَحَبُّ إليَّ وأفضل عندي من أن تمدحني بالفارسية).
عذوبة اللغة
لقد أحَبَّ العرب منذ القدم لغتهم العربية، وعشقوها بكل خَلَجاتهم وهاموا بها، وتغنوا بها ولها، واهتدوا إلى جمالها بفطرتهم قبل أن توضع لها القواعد النحوية، والأطر الصرفية. ولغتنا العربية هي لغة الفصاحة والبيان، والفصاحة معناها الظهور والبيان، وحينما نقول : أفصح يعني ظهر وبان، والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيد السبك، بيّن ظاهر، عذب سلس مفهوم.
لذا كان الذوق السليم، والمنطق السليم، عمدة معرفة حسن الكلمات وسلاستها.
ولقد اجتمعت لدى العربي خصال الفصاحة، فَجَلا بكلامه الأبصار العليلة، وشحذ بمنطقة الأذهان الكليلة، ونَبَّه بأسلوبه القلوب من رقدتها، وداوى بحسن تعليله النفوس من العَيّ، فكان خطيباً لا تناله حبسة، ولا ترتهنه لُكنة، ولا تتمشى في خطابه رَنّة، ولا تعترض لسانه عقدة. أفكارُه نيّرة، وألفاظه عقود جميلة، ومعانيه تتلاعب بالعقول، وأسلوبه تهتزُّ له المنابر، ومنطقه تنقاد إليه الكلمات، وبيانه يسحر الألباب، ولسانه تتسابق عليه آيات الفصاحة والبلاغة، فإذا جَدَّ أحسن، وإذا هزل ظرف، وإذا وصف بالغ، يُستَحسن كلُّ ما جاء منه، فهو بحَّاث عن الكلام الفخم، ومنقِّب عن المعنى الرائع، يجمع بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء، فيدرك بُعدَ المرام، ويقرّب المعنى إلى الأفهام، فتقوم أقواله للسامع مقام الأفعال، وقد قيل أن العرب سُمّوا عرباً لاشتهارهم بالفصاحة والبيان، من قولهم: أعرب الرجل عما في ضميره، إذا أبان عنه. كما أن العرب كانوا معروفين بأنهم أهل الفصاحة، فكان الرواة يلتمسونهم ويحملون عنهم، ويرون فيهم أنهم أهل اللغة العربية الفصحى.
لذا فإن مجالس العشيرة، ومجتمعات القبائل، وحلقات المباريات الأدبية، وندوات الأدباء والنقاد، وسائر الأحوال الاجتماعية، كانت من أهم مصادر الإلهام الفكري، حيث تسيل روافده وتفيض ينابيعه وتتدفق شلالاته، فتسبح فيه الخواطر، وتحلق في أجوائه الخيالات.
فصاحة البيان
لقد كانت مجالسهم تفيض بالمعاني التي توضِّح وتؤكد الحقائق التي لا ينكرها على العرب حتى أعداؤهم، وذلك أن كثيراً من العرب كانوا مطبوعين على البلاغة، وأن فريقاً منهم كانوا أرباب فصاحة وبيان، فكان حديثهم العادي أدباً، وحاجتهم اليومية نثراً بليغاً أو شعراً رائعاً فكان منهم طبقة المحدِّثين الفصحاء، والذواقين للأدب، والخبيرين بمواطن حسنه وأسرار بلاغته، هم سماعون للقول الممتاز، يتعشقون سحره، ويطربون لسماعه، ويحلو لهم ترديده وتكراره.
ويأمل المؤلف بتقديمه لهذه الروائع والمختارات وتصنيفها وترتيبها في محاور محددة، ان يتوقف ابناؤنا عندها، ويتأملوا فيما تشع به من رقي فكر، وسمو إبداع - في وقت تجابه فيه هويتنا الثقافية - وبخاصة لغتنا المجيدة مكائد الأعداء على أكثر من جبهة، باعتبارها سور الصمود العربي الأخير، ودرع الأمة الصلب، وأن يروا فيما تضمه هذه المختارات، ذلك العناق الحميم بين البلاغة الأدبية والشعور الصادق، وبين العبارة المتألقة والحكمة الراقية، وبين البيان الرفيع وعنفوان النفس العربية، مما يصلح أن يكون ضوءاً ينير لأجيالنا في العتمة التي يريد أن يأخذنا إليها المتربصون بحضارتنا ومستقبلنا - وهو هدف أرجو أن أحققه، ليكون سطراً في رسالة شريفة منوطة بكل كاتب ومثقف.
11042 | 810,803/163 | المكتبة الرئيسية | Available |
12168 | 810,803/163 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available