كتاب
صورة الغرب في الأدب العربي المعاصر
يحدد مؤلف الكتاب، جان نعوم طنوس، الهدف من كتابه في تقديم دراسات نقدية، تنهض بمهمة تصحيح النظرة ذات البعد الواحد التي تصوّر الآخر شيطاناً أو ملكاً، بعيداً عن الحقيقة الموضوعية. ويرجع بنا من جديد إلى الخوض في ثنائية الشرق والغرب، بوصفهما قطبين متنافرين، لكل منهما حسنات وسيئات. ذلك أن أية رؤية وحيدة الجانب ستفضي إلى مسخ الآخر، وجعله رهين الأهواء والصور النمطية، وحبيس نرجسية الذات.
وهناك هدف آخر لدراسات الكتاب، يتجسد في تسخير الفكر النقدي لخدمة الإنسان، بعد أن مضى زمن كانت فيه الألاعيب البيانية والبديعية والعروضية غاية في ذاتها، وحلّت محلها بعض المذاهب النقدية الحديثة، التي تكتفي من العمل الأدبي بشكله دون جوهره. والحقل الذي ستعمل فيه الدراسات النقدية للكتاب هو الحقل الأدبي العربي، رواية وقصصاً وشعراً، حيث يختار أعمال كتاب عرب، هم ميخائيل نعيمة ومارون عبود وإميل يوسف عواد وتوفيق يوسف عواد وتوفيق الحكيم وفؤاد الشيب ويحيى حقي وسهيل إدريس وعبد الحميد جودت السحار وجاذبية صدقي وشكيب الجابري وخليل حاوي وإملي نصرا الله ومحمد تيمور.
ويبدأ بدراسة قصتين لمخائيل نعيمة، الأولى «ساعة الكوكو» في المجموعة القصصية التي تحمل عنوان «كان ما كان»، والثانية «علبة كبريت» في المجموعة القصصية التي عنونها «أكابر»، ويستكشف فيهما مسائل الاختلاف بين الشرق والغرب، وما وجده نعيمة في هذين العالمين المتقابلين من حسنات وسيئات. وتمتد الدراسة إلى قصتين تتحدثان عن احتكاك ضئيل للبنان الثلاثينات بالحداثة الغربية، ولولا أنهما تعبران عن أشياء واقعية لكانتا أقرب إلى الخيال الفني المحض.
والقصتان هما «بابا نويل» لمارون عبود، التي تتمحور حول ثنائية الدين والغرب، والثانية هي «زهور» لإميل يوسف عواد، وفحواها ثنائية الحب في الشرق والتحرر في زمن الحداثة. ولا يزعم المؤلف أنه اكتشف جديداً تماماً، نظراً لأن مجال الاكتشاف محدود نسبياً، لكنه يسلط الضوء على مرحلة ماضية، تعود إلى الثلث الأول من القرن العشرين، التي يعتبرها بعضهم الزمن السعيد بكل خيره وشره. ويظهر في القصة الأخيرة التناقض بين الشرق والغرب بوصفه تناقضاً بين الحب والوفاء وبين اللذة السريعة ورفض الحرمان والانتظار.
أم في قصة «الشاعر» لتوفيق يوسف عاد، الواردة في مجموعة «الصبي الأعرج»، والتي كتبت سنة 1939، يظهر شيئاً من التضاد بين قيم الكبت في الشرق وقيم الحرية في الغرب. ذلك أن الصبي المراهق في القصة يقيم علاقة بسائحة إيطالية حسناء لم تتعد الخامسة والعشرين ربيعاً، وإذا هو، على الرغم من دونيته، يتعلم ما لم يعلم، ويعيش مغامرة رائعة، يحاول النظام التربوي وأدها بما يحفل من إرهاب واحتقار للرغبات. وتعبّر القصة عن ملمح من ملامح سلوك بعض المراهقين والشبان يوم كانت السائحات الأجنبيات يفدن إلى لبنان، يملأن ربوعه فتنة وجمالاً وهياماً عذباً لذيذاً.
وفي رواية «عصفور الشرق» لتوفيق الحكيم، يحاول المؤلف التعرف على الكيفية التي ينظر فيها الشرقي العربي إلى الغرب، والكيفية التي تعاش فيها تجارب الحب والفن والدين، حيث يجد في القصة تمييزاً واضحاً بين عالمين مختلفين، عالم المادة وعالم الروح. ولعل الحكيم يصدر فيها عن رؤيا رومنسية شاعرية، تعد قاسماً مشتركاً عند كثير من الشعراء والفنانين والعشاق.
لكن روايته تصدر كاتب مصري معجب بالفنون الأوروبية، وينعى الحضارة الغربية التي تفتقر إلى الروح، أي الحب والفن والدين. أما فؤاد الشايب، فقد استطاع، من خلال قصتين في مجموعته «تاريخ جرح»، أن يصور ببراعة عمق التضاد بين الشخصيات، وتضارب المواقف بين الشرق والغرب، وأن يسلط الضوء على صورتي الشرق والغرب، من خلال الكيفية التي يتصرف شاب عربي حيال فتاة متحررة في باريس. وتصور قصة «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي أبدع تصوير ذلك الصراع القائم بين الشرق والغرب.
فالبطل إسماعيل نشأ نشأة تقليدية في حي السيدة زينب، ولكنه سافر إلى إنجلترا لدراسة الطب، وهناك تخلى عن مفاهيمه القديمة، وأصبح ملحداً أو شخصاً قريباً من الإلحاد. وعندما عاد إلى وطنه اصطدم بالعقلية الخرافية، فثار وتمرد، لكنه في الأخير أذعن، وصار يطيب المرضى بعلاج مزيج من زيت قنديل أم هاشم والعلم الغربي.
ويعتبر المؤلف أن هذه الشخصية تشير إلى أزمة حضارة، وتعبر عن لحظة التوتر بين القديم الشرقي والجديد الغربي، مع ميل واضح للتوفيق بين القطبين المتنافرين. ويجد في «قنديل أم هاشم» مؤشراً على حالة المجتمع العربي، وتعبيراً عن أزمة الكثير من المثقفين. بل هي أزمة الحداثة، أو أزمة الصراع بين الشرق والغرب، مع انحياز كامل إلى الشرق.
وفي رواية الحي اللاتيني «لسهيل إدريس، يغادر بطل الرواية بيروت، مدينة الكبت والحرمان، ويقصد باريس ليتحرر من عقدة الحرمان والخوف من المرأة. وهناك يكابد نزعتين متناقضتين، هما النكوص إلى الماضي والتشبث بصورة الأمومة التقليدية، ثم الانفتاح على الحاضر والمستقبل والإقبال على الأنوثة، بوصفها سبيلاً للتخلص من التبعية والجمود. وهذه الرواية الواقعية لا تدعي بطولة متعالية على الشرط الحضاري، لكنها تعكس الصراع الحضاري بين التبعية والتحرر.
أما في رواية «جسر الشيطان» لعبد الحميد جودة السحار، فيعثر المؤلف على رسالة الشرق الروحية إلى الغرب، التي يحملها ويعتنقها شاب عربي، يريد زرع بذور الروحانية في تربة الغرب المادية القاحلة، حيث يتعرف الشاب على غانية ألمانية، يحاول تحريرها من النزعات السفلية لتؤمن بالله والروح والقيم، وترتفع إلى مكانة سامية.
وفي ذات السياق يتساءل المؤلف عن الأسباب التي تدفع فتاة فرنسية إلى عشق رجل عربي، وإلى اعتناق الإسلام، وإن كان هناك ثمة عوامل لا شعورية تدفع «ديانا» بطل قصة «مملكة الله» لجاذبية صدقي إلى هذا التحول الخطير، وذلك عندما تحتاج البطلة إلى توازن بين العقل والغريزة، بين الحب والطمأنينة. معتبراً أن المؤلفة استطاعت في هذه القصة أن تتغلغل في النفس البشرية من غير أن تتخلى عن أصول السرد المشوق، والتصوير المرهف للشخصيات.
وفيها يسعى الغرب إلى الشرق، حيث تعجب ديانا بالشيخ عبد الله والإسلام. ولعلها تمثل الكثيرات من النساء الفرنسيات اللواتي يقبلن على دين جديد وحب جديد رغبة في الطمأنينة وتهدئة للنفس القلقة المتمردة. من منطلق أن النزوات إذا تمادت في انطلاقها، فلا بد من سلطة ما تحد من جموحها، كي يحقق الوئام بين العقل والغريرة، وبين الدين والحب. ذلك أن للنفس غموضها وتحولاتها، وربما كان العذاب أمراً ملتبساً.
وقد حصلت البطلة على روعة الحب وروعة الجلال، فخضعت للخالق رهبة وطاعة، وخضعت لزوجها حباً وإذعاناً، وبذلك تخلصت من قلق النفس الفردية، وأدركت الخلاص من منظارها على الأٌقل.
وتتحدث رواية «قدر يلهو» لشكيب الجابري عن شاب عربي يرحل إلى بلاد الغرب، وفي حاله قد يتصرف مع المرأة الأوروبية بطريقتين، إما الاستعلاء التام أمام الفتاة الضعيفة، أو الدونية حيال الفتاة المتحررة ذات الجمال الصاعق. ويرى المؤلف فيها تشديداً على الحضارة القومية يكاد يقارب أحياناً حد العنصرية. وكأن البطل يصدر عن نرجسية واضحة، فالأنا، المفعمة بالغرور وحب الامتلاك والغيرة، قليلاً ما يتم الخروج منها، بل إن الآخر يبدو صورة أخرى عن الذات في جوانب معينة. وتحفل الرواية بسجل دقيق للصراع أو التجاذب بين الشرق والغرب.
وفي جانب الشعر، يختار المؤلف مجموعة «نهر الرماد» لخليل حاوي، ليختبر الكيفية التي نظر فيها الشاعر إلى الشرق والغرب، إلى الحضارة الشرقية والحضارة الغربية، من خلال تناول قصيدتين في المجموعة، الأولى عنوانها «البحار والدرويش»، والثانية عنوانها «المجوس في أوروبا»، مستنتجاً أن شعر حاوي يعرب عما يشبه العدمية واستحالة الخلاص، وأنه لم يجد الحقيقة في أي مكان، فرفض كل الحضارات.
3247 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
3246 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
4574 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
4571 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
3248 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
3245 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
4573 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
4572 | 810/81 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available