كتاب
الرؤية والبنية في روايات الطاهر وطار
يجمع الدارسون -أو يكادون- على أن الأديب الراحل الطاهر وطار هو مؤسس الرواية العربية في الجزائر، وهو الذي أوصل صوت الرواية الجزائرية إلى أصقاع الوطن العربي معرّفاً بتحولات المجتمع الجزائري، والمتابع لأعماله الروائية والقصصية والمسرحية يُلاحظ أنها تقدم رصداً شاملاً لأهم التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها الجزائر مدة ما يربو عن نصف قرن، وهذا ما جعلها تحظى باهتمام كبير من النقاد والدارسين.
ويعد كتاب «الرؤية والبنية في روايات الطاهر وطار» للباحث الجزائري إدريس بوديبة، الذي صدر في إطار احتفالية تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية عن منشورات «بونة للبحوث والدراسات» (الجزائر، 2011) بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية، واحداً من أهم الدراسات التي أنجزت حول أدب الطاهر وطار الروائي.
وقد تعامل المؤلف في دراسته مع الشكل الروائي «بوصفه بنية، تتضمّن رؤية متجادلة مع مرجعيتها الاجتماعية»، وساعده في ذلك أن الطاهر وطار ينتمي لصنف الأدباء القلائل الذين لا يستقرّون على شكل روائيّ واحد. وقد حرص في جميع الفصول، على تأكيد ظاهرة التحوّل الفني في الرّؤية والبنية، التي تحرّرت من هيمنة السرد التقليدي، لتنفتح على بنية السرد الحديث.
وأكد المؤلف أن تطور الكتابة عند وطار لم يكن على مستوى الموضوعات فحسب، بل كان كذلك على مستوى الكتابة نفسها. فقد طوّر الروائي أدواته، ولم يعد يقنع بالكتابة التي تقترب من الواقع وتكتفي برصد تحولاته الخارجية، بل أصبحت الكتابة عنده تنطلق من داخل النص الروائي، لتلتحم بالذاكرة وعناصر الحلم والتاريخ. وقد سمح هذا البعد التجريبي الجديد للرواية، بامتلاك أدوات تعبيرية مغايرة.
وحاول المؤلف الكشف عن بنية الشكل ومضمرات النص، مبيناً أن الرواية الوطّارية مرت بتحولات ظاهرة في رؤيتها وبنيتها، وذلك منذ البدايات الأولى التي كانت مفعمة بحرارة الواقع وحسّيته، وانتهاءً بأعماله الأخيرة المنحازة إلى التجريد، والكتابة المركّبة التي تنحت عوالمها عبر مكوّنات التّناص، والارتداد، والمثاقفة، والاشتغال على اللغة.
وقدم المؤلف لمحة تاريخية عن المسار التطوري للمشهد الثقافي في الجزائر، وذلك منذ أوائل القرن، عارضاً للتيارات الفكرية، والأحداث السياسية التي كان لها الفضل في دفع الحركة الأدبية خطوات إلى الأمام، وتحدث عن الاستعمار الفرنسي وسياسته المنتهجة في سبيل تدمير وتخريب كل ما له صلة بما هو عربي بغرض فصل الجزائر عن الوطن العربي، ومسخ هوية الشعب الجزائري، وسلب أفكاره الإسلامية.
وأجمل المؤلف السمات التي ميزت المسار الروائي للأديب الطاهر وطار، وأبرز الأسباب التي جعلته يتبوأ مكانة مرموقة، في جملة من النقاط الرئيسة من أهمها: قدرة وطار على الاستمرار في الممارسة الإبداعية، بطريقة شبه منتظمة، ليحتل بذلك الصدارة من الناحيتين الكمية والنوعية، ويتقدم كل الروائيين الجزائريين الذين يكتبون باللغة العربية.
ومنها أن وطار تمتع بهاجس المغامرة الفنية، وعمل على التطوير المستمر لأدواته، وعلى تنويع بنيته الروائية، والانتقال من شكل إلى آخر بسهولة ويسر، مع الوفاء لموقفه الفكري العام، الذي يدعم رؤيته الشاملة لقضايا الكون والإنسان والحياة.
وبحسب المؤلف، تندرج أعمال وطار في سياقاتها المختلفة، لتؤرخ لكل التحولات والسّيرورات الحاصلة في المجتمع الجزائري، منذ الثورة المسلحة إلى الاستقلال، مع التركيز على الألوان المحلية للجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية، وكأن الطاهر وطار أراد أن يكتب -روائياً-ملحمة الجزائر، ويحمل على عاتقه هذه المهمة التي لا تخلو من انحيازات ذاتية واضحة، ولكنها انحيازات مشروعة إبداعياً، فمن واجب الأديب أن يعيد صياغة العالم، وتشكيله وفق وعيه ورؤيته الخاصة.
ولفت المؤلف إلى أن روايات وطار كانت باستمرار مصدر افتتان وغواية في موضوعاتها بالنسبة إلى عدد كبير من الروائيين، الذين أعادوا صياغتها وفق منظوراتهم الفكرية والفنية المختلفة، ويعود هذا لقدرة هذه الروايات على استقطاب الأحداث الاجتماعية، وامتلاكها للوعي بالواقع والكشف عن نوعية العلاقات التي تتحكّم في سيره، وبلوغها درجة عالية من النمذجة والانسجام.
وبحسب منظور المؤلف، فإن الإغراءات الإيديولوجية والفنية التي قدمتها مدرسة «الواقعية الاشتراكية» لوطار، كانت السبب الرئيس الذي صبغ أعماله بالحركة التلقائية، والرؤية الشمولية، وهي التي منحته المقدرة على إدراك العلاقة الجدلية التي تربط الفرد وأفكاره وعواطفه بالحياة وصراعات المجتمع، وذلك دون السقوط في الخطابات التبشيرية المسطحة التي تلتزم تمجيد البطل الإيجابي الذي يؤثر في الواقع، ويغيره إلى ما هو أفضل بوصفه نموذجاً لبطل المستقبل.
وفي مبحثه عن أزمة البطل الثوري من المنظور الواقعي في رواية «اللاز» للطاهر وطار، أشار المؤلف إلى أن الفرضية التي انطلق منها في قراءته لهذه الرواية هي أنها رواية رائدة خطت أولى خطوات التأصيل الحقيقي للنهوض بالرواية الجزائرية، وذلك في إطار البحث عن موضوع كلاسيكي رصين غني بمضمونه التاريخي المعاصر، ومحتشد بالشخوص، وبمختلف الدلالات والوقائع الممكنة ومحتملة الحدوث، إذ أن الثورة الجزائرية هي الهاجس المركزي الذي شكل فضاء هذه الرواية، وأحال على مرجعية أحداثها.
وقد سعى المؤلف من خلال مبحثه هذا إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة من أبرزها: هل نجح وطار في صياغة عناصر ملحمته الروائية، والارتفاع بها إلى مستوى الإبداع الرفيع؟ وهل قدم لنا قراءة فنية جديدة لحقبة تاريخية معينة؟ أم اتخذ من الرواية مجرد قالب يبث فيه بعض المعارف، ويشحنه بالوقائع والأحداث التاريخية، ليعبر عمّا أثارته هذه الملحمة الثورية في نفسه من انفعالات وآراء؟
ورأى أن الطاهر وطار تسلّح برؤية خاصة ينظر من خلالها للشخصيات، وفعلها في الأحداث، وانفعالها وتفاعلها، حيث إنه قام بعملية تكييف لها، وقد تأثر تصويره للشخصيات بمنظوره الفكري والفني، وهذا ما انعكس على بناء الرواية، وقد قدم الطاهر وطار رؤيته من خلال بعدين: بعد ينسحب على موقفه من أحداث التاريخ (الماضي)، وبعد ينسحب على موقفه من أحداث الحاضر.
وبين المؤلف أن الطاهر وطار تميز بحس ورؤية تاريخية ثاقبة، ومن خلال رواية «اللاز» أعطى لشخصية «زيدان» صفة البطولة والمثالية المطلقة، ولا سيما في نهاية الرواية، بيد أنه ظل متمسكاً بحاسته المتشككة في الإيديولوجية الماركسية، وشرعية استمرارها وتواصلها.
وفي سياق دراسته للبنية الكلاسيكية في روايات الطاهر وطار، قدم الباحث دراسة عن المتكأ الإيديولوجي ورؤية الواقع في رواية «العشق والموت في الزمن الحراشي»، فهي تعدّ الجزء الثاني من المشروع الروائي الذي بدأه الطاهر وطار، وهي واحدة من المؤشرات المهمة التي تحيل على المرجعية الفكرية والإيديولوجية للكاتب، ولا سيما في المرحلة الأولى من كتاباته الروائية، وهي المادة الخام للكتابات التي ظهرت فيما بعد، وقد علل المؤلف هذا الحكم بأن الطاهر وطار واحد من الكتّاب الذين تأثروا بالوضع التاريخي وعايشوه، فكانت كتاباته صورة له، وهذا ما يفسر كذلك هيمنة الجانب الإيديولوجي والفكري على الجانب الفني في بعض أعماله الروائية، وبخاصة العملين الأولين (ثنائية اللاز).
وبين الباحث أن الإطار الذي تجري داخله أحداث الرواية يتشكل من بنيتين زمنيتين: بنية زمنية خارجية، وبنية زمنية داخلية، وقد تميزت هذه الرواية بأسلوب الخواطر، والمونولوج الداخلي، والحوار مع الكاتب، ولم يهتم الكاتب بتطور الزمن، بل اهتم بالفكرة، وهذا ما لوحظ من خلال الخطاب المباشر الموجه إليه، وتعددت الخطابات بتعدد الرؤى التي حوتها الرواية، واتضح للباحث أن المكان في هذه الرواية لا يشكل عنصراً جمالياً مهماً، بل تجده يذكره كضرورة موضوعية يتطلبها الحدث أو الشخصية.
ورأى الباحث في دراسته للأنساق الدلالية ونظام بنائها في رواية «الزلزال» أن وصف المكان ومكوناته خضع لرؤية الراوي، حيث أضفى عليه تكويناته، ومنظوراته على الأشياء الموصوفة مُسقطاً عليها وعيه، وهذه الطريقة في الوصف تحمل في ثناياها بقايا الأسلوب الكلاسيكي على الرغم من أن الطاهر وطار سعى إلى أن يتخلص منه بمقدار كبير في رواية «الزلزال».
وقد ألفى الباحث مادة خصبة في البنية الاجتماعية المليئة بالأشياء التي تناولها بالعرض والوصف، ولاحظ أن الزمن أثر تأثيراً واضحاً في المكان، وهذا ما جعل القارئ يحس مظاهر التغير، والتحول، والتدهور، كما أن بنية المكان بدت منغلقة، ومضغوطة بفعل الاكتظاظ والحرارة والضغط النفسي الذي يعانيه البطل، واقتصر الطاهر وطار على الوصف الخارجي للمدينة، ولم يهتم بوصف المنازل والبيوت من الداخل، ومزج بين طريقة الوصف الساكن، والوصف السردي، واقتصر على أسلوب الوصف العام الخالي من المصطلحات الفنية.
وخلص الباحث في ختام دراسته إلى أن الرؤية الوطارية في هذه الرواية تعتمد على ملامسة اللحظة التاريخية، التي تقدَّم بديلاً آخر، ليسأل النظام السياسي القائم نفسه من خلالها، لأنها تنطلق من الأبعاد الافتراضية، السوسيو-تاريخية، المشكّلة للواقع، والطامحة إلى تخطِّيه، وخلق زمنية تخييلية أخرى مقترحة.
وأوضح أن وطار قد قدم رؤية منحازة ومباشرة، ولذلك انطوت روايته على دلالات محدّدة الأبعاد، ولم تترك مجالاً لانفتاح النص على مختلف الأسئلة الممكنة والمشرّعة على الآخر والمستقبل، ويعود هذا أيضاً إلى غياب الرمز متعدّد المستويات، الذي يندمج في التواشجات التأويلية، ويغني الخطاب الروائي الذي يعلو على الواقع الفعلي، ويتماهى معه دون أن يكونه.
ورأى الباحث أن الطاهر وطار اتجه بروايته وجهة تسجيلية وقائعية، تعتنق التأريخ، وتعدّه مهمتها الأساسية، وكأن هذه الرواية هي نوع من التدوين لحقبة تاريخية من استقلال الجزائر، فحتى اللغة تخلو من الجرعات الشّعرية والشّطحات الفنية التي تشعرنا وكأننا أمام عمل توثيقي يستنطق الشخوص، لتقويلهم ما يريد الكاتب قوله، لذلك برزت بقوة هيمنة وطار على النص بوسائل فكرية، وهذا على حساب التّراجع الواضح للوسائل التقنية وما تحمله من أبعاد جمالية وفنية، وعلى الرغم من كلّ المآخذ، فإن هذه الرواية ستظل وثيقة أدبية مهمة، مكتنزة بمختلف الأحداث والسلوكات، والظواهر السياسية والاقتصادية التي أنجبتها السبعينيات بكل إيجابياتها وسلبياتها.
وقدم الباحث ثلاث دراسات، وذلك في إطار تجليته للبنية الحداثية في روايات الطاهر وطار، في بحثه الأول سلط الضوء على المنظور والإسقاط التاريخي في رواية «الزلزال»، فأشار إلى أن بطل الرواية يعود إلى الماضي من خلال الاسترجاعات التأملية لبعض المشاهد أو الشخصيات الفاعلة في التاريخ العربي الإسلامي، وهذه العودة ليست عودة عفوية، ولكنها محاولة لرؤية العالم من جانب يختزل الواقع، ويقفز عليه كدليل على عبث المحاولة الانتقائية التي تأخذ من ركام التاريخ بعض جوانبه بغرض بعثها أو الاستنجاد بها.
وقد توصل الباحث إلى أن الطاهر وطار في هذه الرواية قد اتجه أكثر للاهتمام بمسألة الشكل والبناء والإيهام ومسرحة الأحداث واستعمال الحوار السردي والتناوبي، مع إبراز العوالم الدّاخلية للشخوص والاعتماد على الوصف، لا بوصفه وظيفة تزينيية، ولكن ليؤدي دوراً موحداً بين وجهة نظر المحمولات والموضوعات، كما يقوم بوظائف أخرى تبئيرية، كما أن الروائي لا يتدخل ليدلي بآرائه بشكل مباشر، ولكنه يترك وعينا من خلال السرد يستقبل الحدث الذي تعبّر عنه الحركات والإشارات قبل الملفوظ اللغوي.
وتبدّى للمؤلف في دراسته للتناص السردي في رواية «الحوات والقصر» أن الطاهر وطار عمل على النص التراثي بكل تجلياته الأسطورية والخرافية، وذلك حتى يتمكن من إبداع نص روائي جديد ومنفتح على الواقع السياسي والاجتماعي بغرض التعبير عن موقفه ورؤيته، وهذا ما صرح به وطار في قوله: «في رواية (الحوات والقصر) عالجت موضوع الصراع على السلطة بتعبير رمزي، لأنني لا يمكن أن أواجه السلطات وأقول للحاكمين إنكم عصابات لصوص».
وفضلاً عن أن رواية «الحوات والقصر» هي نص فني استلهم عوالم الحكاية الأسطورية بهدف تفجيرها كأداة فنية للتدليل على معنى في الواقع الاجتماعي، فإنها أيضاً تعدّ عملاً أدبياً يحمل روح الحداثة وهموم العصر، وقد خلق الطاهر وطار في هذه الرواية مجالاً أسطورياً مكتنزاً بالأحداث والخوارق العجائبية، كما استخدم اللغة الأسطورية المحملة بالدلالات الرمزية قصد تصوير الشروط الاجتماعية والسياسية لأهل القرى السبع.
وبحسب المؤلف، ظهرت رؤية الطاهر وطار في الصورة المحكومة بوضعيتين هما: صورة الطبقة المهيمنة، والتي تمثلت في القصر، والسلطة، والفرسان، وإخوة علي الحوات الثلاثة. وصورة الطبقة الخاضعة التي تمثلت في القرى السبع المحكومة بالقوة والبطش. وأما الرؤية السردية فإنها تحتدم وتتصاعد بإيقاع اللحظات المشكلة للزمن الأسطوري.
وأشار الباحث إلى أن الطاهر وطار ترك شخصيته تنمو عبر الصراعات اليومية، ليس بغرض تفسير حركة التاريخ في سيرورته المحايدة، وإنما ليفسر روح العصر انطلاقاً من مواقف أبطاله، ومواقعهم ونموهم، وابتعد في تشخيصه عن معاني التجريد والتعميم، وتجلت الرؤية الأسطورية في العوالم الغرائبية التي رافقت البطل في رحلته، وأضفت عليها عمقاً إنسانياً، ورسمت في الوقت نفسه خطاً موازياً تتكئ عليه، وهو خط التصوف الذي يلبسها مناخاته الشفافة.
وأوضح أن الروائي استخدم أسلوب الرؤية من خلف، حيث إن الراوي يعرف أكثر من الشخصيات، ويظهر ذلك في غلبة الوصف والسرد على التعبير، ما عدا المقاطع التي يناجي فيها البطل نفسه، كتعبير عمّا يمكن تسميته «تراكم الوعي الذاتي»، الذي يمثل خطاً تتصاعد فيه مواقفه، كما تنهض بالموازاة حركة وعي الجماهير، التي تبلور موقفها باتجاه قفزة نوعية تغيّر مصيرها بشكل نهائي، وبصورة يبدو معها هذا التغيير وكأنه خاضع لمنطق التجادل، الذي يسود البناء كما يحكم الرؤية.
وفي دراسته الأخيرة، تعرض الباحث لتحولات الاتصال والانفصال في رواية «تجربة في العشق»، حيث قدم تحليلات تتعلق بمستويات السرد المختلفة، وألقى الضوء على شخصيات الرواية، وأشار إلى أن هذه الشخصيات ليست كلها من صنع الخيال المطلق، بل إنها محتملة وممكنة الوجود، ولم يهتم الكاتب بالكشف عن مظاهرها الخارجية وحسب، بل سعى إلى إماطة اللثام عن حقيقتها الداخلية، وأسرارها، وتقلباتها النفسية والروحية.
ولاحظ الباحث أن الاتصال في رواية «تجربة في العشق» غائب في الواقع، ولكنه متحقق في الهواجس، وملذّات الوهم، وهكذا تنبني الرواية على فضاء مزدوج، يتدفق أحياناً بملفوظات الاتصال، وأحياناً أخرى ينفتح على مستويات أخرى للانفصال. كما لم يعتمد الكاتب في روايته المفهوم المدرسي للمذهب الواقعي الاشتراكي، فلقد لجأ باستمرار إلى توظيف البطل المضاد، وخاصة في هذه الرواية التي تنزع نحو التشكيل والتخييل والانكفاء التأملي المكتنز بالخيبات، دون الوقوع في النزعة التفاؤلية السطحية.
ورأى الباحث أن هذه الرواية تنطوي على مفهوم واضح للإنسان وقدراته التغييرية، فالروائي بدراسته للواقع الدائم التطور والتحول وتحليله للعلاقات الاجتماعية، صاغ لوحة صادقة لحياة عصره الخاصة والاجتماعية، فرواية «تجربة في العشق» ذات مرجعية حسيّة كثيفة بغناها الاجتماعي والإنساني، وهي تحيلنا باستمرار على ملامح للأبطال الذين يحتملون التأويل وينفتحون على حقائق عديدة، والروائي في هذا العمل لم يكن يبحث عن حدث معين يتكئ عليه في تحريك مركبته السردية، بل كان يبني الأفكار المجردة ويلبسها شكل الحدث الذي يتقاطع مع الامتدادات الثقافية لأفكاره المتمثلة في بطل روايته، وكأنه بصدد البحث عن رواية جديدة تدعو إلى واقع جديد، ولم تكن الرواية في هذا المشروع إلا علاقة محدودة في فضاء يتجاوزها باستمرار، وبهذا المعنى فقد كان الطاهر وطار «يعرف ما يرفض، ويفتّش باجتهاد مذهل عن البديل المطلوب المتجاوز للوعي البسيط».
9454 | 809/54 | المكتبة الرئيسية | Available |
10168 | 809/54 | المكتبة الرئيسية | Available |
10166 | 809/54 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available