كتاب
الديمقراطية وفلسفة التربية
يستعرض كتاب «الديمقراطية وفلسفة التربية»، لمؤلفه د.زكريا أبو الضبعات، والصادر عن دار الفكر-عمان 2009، مختلف مدارس فلسفة التربية: المثالية، الواقعية، الطبيعية، التحليلية، السيكولوجية، السلوكية الاجتماعية، البراجماتية، العقلية الاستنتاجية، العقلية التحليلية.
يركز المؤلف في نقاشه ودراسته لهذه المدارس الفلسفية التربوية، على أثر علم النفس الاجتماعي في التربية، مبرهنا على انه يشارك بنيويا في تحديد دور الجماعة وتفاعلها.
وأيضا دور القيادة والاتجاهات والتحيز لمجموعة دون الأخرى، ويتناول أبو الضبعات هذه القضايا مفصلة ضمن عرض تاريخي شامل، فيبين انه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ازدادت وانتشرت الدراسات الاجتماعية حول السلوك الشخصي وأثره في المجتمع، ما دفع الباحثين إلى إدراك قيمة التربية وأثرها في تكوين الشخصية.
ثم يتطرق أبو الضبعات إلى أثر اتجاهات التربية، حيث تسهم التسلطية التي تمارس ضد الأطفال، منها، في بناء الشخصية التسلطية، بينما بإمكاننا أن نوجد، حسب المؤلف، عن طريق التربية الديمقراطية المعتنية بإعلاء وترسيخ لغة الحوار، بموازاة تقدير واحترام شأن الآخر، جيلا متكيفا لا تتمثل أو تتأصل فيه جوانب العنف.
ويتابع أبو الضبعات بحث اتجاهات وتشعبات المدارس الفلسفية التربوية ومنعكسات نتائجها، مشيرا إلى أن الممارسات التعسفية ضد الأطفال تعد جزءاً من النظام التعليمي التقليدي المحتكم إلى قاعدة ضرورة انصياع التلاميذ لإرادة معلميهم.
وأن يكون سلوكهم أقرب إلى الكمال، بغرض ألا يؤثر أي من تصرفاتهم على رتم سير وانتظام العمل في الصف، أو على المعلم، إلا أن هذا الخيار والمنهج يغفل فعليا أهمية خلق علاقة تفاعلية بين التلميذ والأستاذ، فيقود بالتالي إلى انهيار وتفكك أطر ونماذج العلاقات الإنسانية بين الإدارة والمعلمين والتلاميذ، فينتج صيغة منع سلطوي.
ويعتني أبو الضبعات بتزويد فصول كتابه بمقارنات موسعة ومفصلة في هذا الصدد، فيطلعنا على حقيقة أن أبحاث علم النفس الاجتماعي تشدد على أهمية البحث عن صيغة جديدة للمنهج التعليمي، تختلف عن تلك الصورة النمطية، وذلك على صعيد الأهداف والمحتوى والتنظيم والتقويم، ليفضي هذا التطوير والتحسين النوعي، إلى حالة من التفاعل الذاتي بين عناصر العملية التعليمية(المدرس والتلميذ والبيئة المدرسية)، وبمعنى أوضح: عدم اعتبار الأستاذ مصدراً وحيداً للمعلومة، إذ يمثل هذا الأساس التربوي أعلى أشكال تطور الممارسة الديمقراطية، كونه يعتمد على تكامل الرأي والرأي الآخر.
ويشرح الكاتب منهج وركائز عمل الفلسفة التربوية الديناميكية، لافتا إلى أنها تساير روح العصر والتقدم العلمي دون المساس بثوابت المجتمعات، فهي مزيج من الفكر والمادة، إذ يؤثر كل منهما في الآخر، ما يعني أن المادة(الإنسان)بمثابة حيز من التفكير في خصائصها وتركيباتها، ويمكن بالتالي، تكوين فكرة واضحة عنها، وبمقدورنا استعمال الفكرة في الإبداع مرة أخرى، عبر القوة الجسدية والعقلية معا.
ثم ينتقل الباحث لتناول فلسفة التربية الحديثة، والتي تفرق بين الحقيقة المادية والماهية التي اختلف حولها الفلاسفة، موضحاً أن هناك ماهية يجري البحث عنها، وهي خافتة، وستبقى كذلك، لكنها موجودة ومثبتة ومقبولة بوجهة غيبية، إضافة إلى ماهية الأشياء التي يمكن اكتشافها من عالم الماديات، لأن المعرفة مطلقة بطبيعة الحال.
وأما الحقيقة الدنيوية فهي متغيرة، طبقاً لطبيعة الثقافات وتطورها، وهي تتلخص في جميع الاكتشافات العلمية والتطورات الاجتماعية، أي أن الفلسفة الدينامكية المتطورة الحديثة، هي فلسفة واقعية متقدمة واجتماعية علمية، تقوم على دعائم الفلسفات المادية والوجودية والنفعية، من ناحية، وعلى الفلسفات التي تطرقت إلى الماهية بمعناها الروحي ومحددات السلوك البشري، من ناحية أخرى.
وفي استعراض الكاتب أبو الضبعات لمحاور ومضامين مدرسة الفلسفة الديناميكية المتطورة، نتعرف إلى أنها تربط في الحقيقة، تربط بين جميع العلوم الاجتماعية والتربوية والاقتصادية، ولا توجد فصلاً بينها إلا بالتخصصات الحديثة، كما أنها تؤمن بالديمقراطية الجوهرية النابعة من إحساس الفرد والمجتمع بها، إذ تراها تبدأ من الحرية في التعبير والمناقشة والحوار بين شتى الفرق التربوية، لتعمل على توزيع المسؤولية بشأن المستوى الدراسي، داخل الحصص الدراسية والأسرة في أن واحد.
وكذلك هي تنتهي بنظام الحكم وقمة هرم السلطة، فالديمقراطية بمفهومها الشامل تحمل على أكتافها مسؤولية عظيمة، وليست فقط نظريات مطروحة، بل تطبيق على أرض الواقع، فيشعر معها الإنسان بحريته وحرية اختياره، كحق من حقوقه الطبيعية، وبطبيعة الحال فإنها تولي جانب التربية النظامية اهتماما خاصا، تتمثل معه كبؤرة ركيزية ومحورية، ذلك لأنها تعول عليها كأرقى وأمثل النظم لتحقيق الأهداف والغايات التربوية.
ويأتي بعد هذا الأساس، في صلب دستور مفاهيم هذه المدرسة، يأتي دور التربية غير النظامية بشقيها، وهي التي تتجسد في الواقع بتنظيم الندوات والتدريب المستمر، للصغار والكبار، والمتعلمين والأميين.
وهو ما يطلق عليه مسمى التربية المستمرة، ويعقب ذلك مهام المنظمات الوطنية والقومية والأحزاب والتيارات الفكرية المختلفة، أو ما يدعى بالحركات الشعبية، ومن ثم أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
حيث تشترك هذه المؤسسات في دور تربوي كبير يهتم بتوسيع دائرة الثقافة والحصول على المعلومات وتشكيل اتجاهات معينة نحو العلوم والقضايا المتفرقة، وهذا وفق سمة حرية الانتماء والتوجه السياسي والثقافي والاقتصادي، خاصة في ما بين أبناء المجتمعات الواحدة، بموازاة ومواكبة جملة من الخصوصيات التي تراعى في التربية والتعليم، دون أن تكون مجالات للمساومة أو التنازلات.
21216 | 370,1/ 952 | المكتبة الرئيسية | Available |
21182 | 370,1/ 952 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available