كتاب
التجارة الإلكترونية
يعد عصر التجارة بمثابة بوابة إستراتيجية لكافة العصور من جهة، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال من جهة أخرى، إذ تقف التجارة فيما بين الدول على عتبة تحول جذري نتيجة لأوجه التقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية، وبوجود شبكة الإنترنت والحاسوب ازدهرت التجارة التقليدية واتسعت بإسناد التكنولوجيا لها، لتجمع معًا مناطق نائية من العالم في سوق إلكترونية عالمية، وفي تبادل للمعلومات على نطاق العالم لتتيح مزايا واسعة المدى للاقتصاديات العالمية والصناعية على حد سواء، في ظل اقتصاد المعرفة وفي شتى المجالات.
ومع تنامي الاهتمام العالمي بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمحاولات الحثيثة لتجسير الفجوة الرقمية بين دول الشمال والجنوب، وبين الدول المتقدمة والدول النامية وبين الأغنياء والفقراء فإنه يتوقع بحلول عام 2010م أن يرتفع عدد مستخدمي الإنترنت في الدول النامية بشكل مذهل، ولا سيما في الهند والصين ودول آسيا لتصبح الغالبية العظمى لمستخدمي الإنترنت من الدول النامية على العكس من أيامنا هذه، في تركز استخدام الإنترنت على الدول المتقدمة، والطبقة الغنية، وهذه الصورة المستقبلية قد تساهم في تخفيض الظلم الذي يسود العلاقات التجارية الدولية التي توظف القوانين والأنظمة والاتفاقات الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحها، وينمي تفوقها الاقتصادي والسياسي والعسكري على حساب الدول النامية الأخرى، فيما يعرف بالعولمة، أو ما يطلق عليه الأمركة، أي استغلال القوى لمقدرات الضعيف فيما يعرف بـ(شرعية الغاب).
وتستحوذ الدول المتقدمة، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان على معظم عمليات التجارة الإلكترونية، وتشير الأرقام العالمية أن 50% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم هم في أمريكا وحدها في حين ارتفع مستوى التجارة الإلكترونية فوق مستوى (3.5) ترليون دولار أمريكي خلال العام 2001م، ليرتفع الرقم أضعاف المرات خلال العام 2007م.
وقد قدر المستوى الإجمالي للتجارة الإلكترونية بالنظر إلى أن الشركات التجارية والمستهلكين في جميع أنحاء العالم الذين يقومون بتوسيع نطاق أنشطتهم التجارية على الإنترنت، وهذا النمو الهائل في التجارة الإلكترونية تدفعه الفوائد التي يحققها كثير من الشركات التجارية من هذه الوسيلة الحديثة في تسويق المنتجات وخفض التكاليف.
ولضمان استمرار الفوائد التي يحققها الإنترنت والتجارة الإلكترونية، والمطلع عليها مباشرة في الانتشار إلى جميع أجزاء الاقتصاد العالمي، قدمت عدد من الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية مقترحات بإقامة إطار عالمي للتجارة الإلكترونية بالرغم من وجود اختلافات بين شتى الاستراتيجيات المقدمة، فإن توافقاً مع الآراء آخذ في الظهور في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والمتركز على ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص في إقامة هذا الإطار العالمي، وليكون التنسيق الدولي في مواءمة القوانين واللوائح التجارية القائمة أمراً ضرورياً من أجل تهيئة بيئة قانونية للتجارة الإلكترونية تتسم بالاتساق والشفافية، غير أنه يجري تشجيع قيام القطاع الخاص بالتنظيم الذاتي بوصفة بديلاً عن زيادة اللوائح التنظيمية الحكومية في مجالات شتى مثل وضع المعايـير وأمن المعلومات وإدارة المحتوى... وغيرها.
وفي هذا السياق تظهر أهمية التجارة الإلكترونية من خلال نموها بسرعة هائلة يوماً بعد يوم في مجال الأعمال، فالشركات المشترية والبائعة تستطيع أن تتصل مع بعضها البعض الكترونياً من خلال الإنترنت و شبكات الاستخدام الداخلي للشبكة نفسها Internets، أو من خلال شبكات الاستخدام الخارجي Extranets، وتتمثل فوائد التجارة الإلكترونية على التبادل التجاري غير الورقي أو التقليدي، أي أن عمليات الشراء والبيع من خلالها تتم بدون الحاجة إلى معاملات ورقية أو إجراءات معقدة، فضلاً عن زيادة فرص التسويق وزيادة مجالات الاختيار أمام المشترين، والدقة المتناهية في تبادل المعلومات بين المشتري، والبائع وإمكانية إجراء الاتصالات الفورية المباشرة بالصوت والصورة، وعلى مدار 24 ساعة يوميًا، وسبعة أيام في الأسبوع، وعلى مدار السنة كاملة دون الحاجة إلى الانتقال الجسدي أو انتقال البائع والمشتري أو انتقال السلع/ البضائع من أجل عرضها، وأخيراً زيادة أحجام التجارة العالمية عن طريق نمو حركات التعامل الإلكتروني بين جميع الأطراف إضافة إلى تقليل الوقت والجهد والكلفة على المستوى البعيد وتسهيل الإجراءات.
ومن الجدير بالذكر أن الناس لم يسمعوا بعبارة التجارة الإلكترونية إلا منذ بضع سنوات فقط، إلا أنها بدأت منذ بضعة عقود على شكل شبكة معلومات الإلكترونية Electronic Data Interchange (EDI) وكذلك من خلال التحويلات الإلكترونية Electronic Funds Transfer (ETF) وكلنا يعلم أن شركات الطيران كانت منذ سنوات تستخدم أجهزة وشبكات الكمبيوتر في عملياتها. وكذلك البنوك والعمليات المصرفية. وهذه بطبيعة الحال شكل من أشكال التجارة الإلكترونية التي يسرت متابعة الأعمال والمعاملات بشكل هائل وسريع. هذه الأشكال الأولى من التعاملات الإلكترونية كانت محدودة النطاق وإجراءاتها معقدة وتختص بنظم معينة من المعلومات مقتصرة على أصحابها، فضلاً على كونها مكلفة، لذلك كان انتشارها محدوداً.
ومع ظهور الإنترنت، وما رافقها من تغيرات هائلة في مجال التكنولوجيا والتطورات التي طرأت على الاقتصاد العالمي، وهو ما يعرف الآن باسم العولمة Globalization، وما تبعها من إنشاء منظمة التجارة العالمية WTO، وكذلك تحرير قطاع الاتصالات، والابتكارات العديدة كاختراع الألياف البصرية التي عملت على توسيع نطاق الاتصالات وجمعها بشكل هائل. حيث أن هذه المجموعة من التطورات متاحة للجميع وليست حكراً على مبدعيها، فقد ساهمت في خلق بيئة عملت على إحداث تقليص كبير في الحواجز التي تحول دون انخراط في التجارة الإلكترونية بالنسبة للبائعين والمشترين على حد سواء، وساعدت في دفع عجلة نموها. فقد أصبح بإمكان أي شخص اليوم مقابل بضعة آلاف من الدولارات، أن يصبح تاجرا، وأن يصل إلى ملايين الزبائن في جميع أنحاء العالم. وكان من نتيجة ذلك أن التجارة الإلكترونية توسعت بشكل هائل من مجرد نظام لانتقال المعلومات الإلكترونية بين الشركات (أو بين أطراف معروفة لبعضها البعض) إلى شبكة معقدة من النشاطات التجارية التي يمكن أن ينخرط فيها أعداد كبيرة من الأشخاص قد لا يتاح لعدد منهم الالتقاء فيما بينهم على الإطلاق. بهذا المعنى يمكن تشبيه ما قامت به الإنترنت للتجارة الإلكترونية بالعمل الذي قام به هنري فورد في عالم السيارات إذ عمل على تحويل السيارة من أداة للبذخ - لا يقدر على شرائها إلا القليلون - إلى أداة بسيطة ورخيصة نسبياً في متناول عدد كبير من الناس.
وتتأثر النظرة السائدة الآن للتجارة الإلكترونية وما زالت بالطبيعة الاقتصادية لعناصر التجارة التقليدية، معنى ذلك أن حكمنا على التجارة الإلكترونية سيكون مكبلاً بثقل الماضي إلى حد بعيد، لأن المستقبل ما يزال في طي الغيب، فالأنماط السلوكية للاعبين الرئيسين في حقل التجارة الإلكترونية لها خصائصها المميزة بالرغم من أن البعض ما يزال ينظر إليه من منظور السوق التقليدي الذي نعهده في حياتنا العادية، بمعنى أنه ما يزال ينظم عملياته حول انتقال المنتجات إلى الأسواق ليتم تبادلها، غير أن السوق الإلكترونية شبه خادع، وقد يوصل إلى نتائج غير صحيحة حول التجارة الإلكترونية، فهي ليست مجرد وسيلة من الوسائل المعروفة مثل التسوق عن طريق الهاتف، أو طلب السلع عن طريق البريد أو الفاكس إنما هو وسيلة تجارية عالمية متشابكة ومتشعبة تحتاج إلى جرأة وتنظيم قبل الولوج بها.
وفرضت التحولات التي شهدها مطلع القرن الواحد والعشرين، وتحديدا في تكنولوجيا المعلومات والانتشار الواسع لاستخدامات شبكات الاتصالات والانترنت على المنظمات المختلفة والأفراد والحكومات أن تستجيب لهذه التحولات. وفي هذا السياق تشكلت توجهات جديدة على الرغم من وجود اتجاهات مناهضة للمبالغة في الذهاب إلى الأعمال الالكترونية، ومع ذلك فان الاتجاه الذي ذهب مع ايجابية العمل الالكتروني في إدارة الأعمال المختلفة، ومنها التجارة بأنواعها، إذ أصبحت التجارة باستخدام الوسائط الالكترونية مطلبا استراتيجا أينما حلت التكنولوجيا في مختلف أنحاء العالم. وقد حصلت قناعات ايجابية نحو تحقيق فوائد جمة من اللجوء إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ الأنشطة التجارية والاقتصادية والحكومية وغيرها. ومع مرور الزمن يتزايد عدد المتعاملين الذين يعربون عن تفاؤلهم بالفوائد المرجوة من التجارة الالكترونية يوما بعد يوم، إذ تسمح للشركات الصغيرة بمنافسة الشركات الكبيرة، وتستحدث العديد من التقنيات لتذليل العقبات التي يواجهها الزبائن.
وقد أدى دخول الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الحاسوب في معظم مجالات الحياة اليومية للشركات والمؤسسات الحكومية والعامة والأفراد على حد سواء، وما شهدته السنوات القليلة الماضية من تطورات سريعة للتبادل الإلكتروني للبيانات والمعلومات من خلال البريد الإلكتروني وشبكة المعلومات والاتصالات الدولية (الإنترنت) له؛ لحدوث تأثير جوهري على الطريقة التي تتم بها المعاملات والصفقات التجارية، إذ حل التبادل الإلكتروني للبيانات والمعلومات ووسائل الاتصال الإلكتروني محل المستندات الورقية على نحو متزايد وبصورة مطردة، والجدير بالذكر أن الوسائط الإلكترونية تتيح الكثير من الفرص، وتفتح آفاقاً جديدة لمستعمليها لم تكن معروفة من قبل، إلا أنها في الوقت ذاته تطرح تحديات جسام في مجال الأعمال والتشريع على حد سواء، فاستيعاب التجارة الإلكترونية بتطورها المطرد يتطلب تطوراً متوازياً ومواكباً من حيث الهياكل القانونية والتكنولوجية، وذلك من أجل التجار والوكالات والمصانع والموردين والمستهلكين والمنافسين للاستفادة من الفرص التي تتيحها التجارة الإلكترونية إلى أقصى حد ممكن.
إن التعبير عن العصر القائم لم يعد بالاصطلاح الشهير الذي ملأ الصحافة والإعلام على مدى التسعينات" عصر المعلومات" بل أصبح الحديث يتجه نحو وصف العصر الذي نعيش فيه بعصر" طريق المعلومات فائق السرعة (أوتستراد المعلومات The Information Super-Highway)، في ظل هذه البيئة كان لابد من أن يطال التغيير سلوكنا، والذي كان السبب الرئيس لميلاد فكرة التجارة الالكترونية ونموها لاحقا.
وجاءت أزمة البورصات العمالية العالمية لتؤكد بناء الاقتصادات العالمية والمتقدمة منها على وجه الخصوص والتي بدأت منها الأزمة، أنها أسست على الباطل والضلال والرياء والسمت مغترة بالنجاحات التي حققتها والتي أصبحت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءًا، لتمحق خبرات الدول الأخرى حتى أنها وصلت إلى العالمية أي تأثر العالم أجمع بهذه الأزمة.
وفي سياق المضمون الذي تم تقديمه، سوف نعرض في هذا الكتاب إيجازا لمختلف المفاهيم التي يتطلبها موضوع الكتاب، ونحرص أن نعد للمهتمين بهذا المجال الأطر التجارية والإدارية والاقتصادية والمعلوماتية وما هو في حكمها جميعا، عسى أن يحقق استيعابا شاملا لموضوعات متداخلة ومتكاملة في منحة التجارة الالكترونية. وان سعة الموضوع وتشعبه سوف لن يجعلنا مقتنعين بإشباع هذه الموضوعات من وجهة نظر المهتمين، ولكن على الأقل فكرنا في جمع أدبيات موضوع التجارة الالكترونية بالاستعانة بما تم انجازه من قبل نخب علمية في مجالات التخصصات التي ذكرناها، فضلا عن عرض رؤيتنا في توجيه مكونات البحث وفصوله ومكوناته المختلفة.
5567 | 382/812 | المكتبة الرئيسية | Available |
5569 | 382/812 | المكتبة الرئيسية | Available |
5570 | 382/812 | المكتبة الرئيسية | Available |
5568 | 382/812 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available