كتاب
النص والسياق دراسة لرسالة التوابع والزوابع
تنطلق هذه المساهمة المتواضعة من منطلق يعُد العمل الأدبي حصيلة تفاعل مجموعة من العناصر المتعددة الجذور والانتماءات، تتداخل فيها تجارب الذات المبدعة، من حيث هي واعية أوْ لا واعية، بالمجتمع والتاريخ والسياق بوجه عام. وتنظر إلى العمل الأدبي باعتباره تجربة جمالية ترتبط بوعي المُنـتج الأدبي وتفاعله مع سياقه العام
لذلك لن تـنفعَ مع هذا الوضع التصورات الأحادية الجانب، مثل تلك التي تعُد النص الأدبي بنية داخلية معزولة عن سياقها وملابسات إنـتاجها، أو تلك التي رأت في النص الأدبي مجرد انعكاس للمجتمع، أو تلك التي جعلته تجربة نفسية خاصة بكاتبه
في هذا العمل نسعى إلى إيضاح كيف تـتفاعل وتتشاكل الجوانب النفسية والاجتماعية والتاريخية والسياسية على المستوى النصي والجمالي، من خلال نص أدبي محيّر من حيث التجنيس؛ وهو نص رسالة التوابع والزوابع[1] لابن شهيد الأندلسي. ولن يتأتى ذلك إلا بـبناء تصور نظري يفحص تفاعل العناصر التي تساهم في إنـتاج النص الأدبي؛ كيف يـتبادل التأثير والتأثر داخل النص الأدبي؟ وكيف يَحضُر السياق الثقافي في النص الأدبي؟
ولن يتأتَّى ذلك إلا بتجاوز الخطاب الظاهري للنص إلى ما يوجِّهُه ويجعله يظهر على الصورة التي يُفترض أن يكون عليها في النهاية. وما يشفع لنا هو أن النص الأدبي لا يفصح عن كل إمكاناته بسهولة. والقراءة تقدِّم فقط إمكاناً من إمكاناته المحايثة له، واحتمالاً من احتمالاته، وذلك عبر آلية التوليد والكشف، بتجاوز الظاهر إلى تعيـين المُضمر، وملء الفجوات التي تـنـتظر القارئ الذي يُخرجها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل
ونحن بصدد رسالة التوابع والزوابع وما كُتِب عنها، لاحظنا أنها لم تُستَوف حق الكفاية من البحث، ومازالت فيها مجموعة من الجوانب تستحق المعالجة والتوقف عندها، وبالأخص مسألة ربط النص بسياقه وكيف تَم بناؤه وتكوينه، وملابسات ذلك، بالكشف عن العملية التي تم فيها تشكل وإنتاج رسالة التوابع والزوابع، وكيف تتفاعل الأنساق في هذه العملية
تبعاً لهذه المنطلقات سنتناول رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي التي تبدو لنا أنها تملك قدرة الإجابة عن بعض القضايا التي طرحناها بصدد إنـتاج الأدب وتلقيه. ولقد اخترنا هذه الرسالة للأسباب التالية
أولاً: لأنها تـتضمن كل القضايا التي كانت تشغل الأدب العربي في فترة من فترات تاريخه، وهي القرن الهجري الخامس
ثانياً: لأنها نص ملغز ومحيّر، من حيث جنسه، يتداخل فيه التخييلي بالنقدي، وتُصاغ قضاياه النقدية في قالب قصصي
ثالثاً: لأنها نص يريد من ورائه ابن شهيد أن يُقدم رؤياه للعملية الإبداعية ومقوماتها وأسسها. فهو بمثابة سيرة ذاتية عن تجربة الكتابة. وهو من هذه الناحية يبقى، إلى حد ما، تجربة فريدة في أدبنا العربي
40044 | المكتبة الرئيسية | Available | |
40045 | المكتبة الرئيسية | Available | |
40046 | 810/2162 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available