كتاب
القيادة و صنع التاريخ
مما لا شك فيه أن القيادات السياسية لعبت دورا هاما في توجيه المسيرة التاريخية، خاصة حين كان القائد يتربع على عرش دولة عظمى أو إمبراطورية من الإمبراطوريات التي سيطرت على مناطق عدة وشعوب متعددة عبر التاريخ. لكن ذلك الدور كان محكوما دوما لعوامل كثيرة، بعضها داخلي والبعض الآخر خارجي، مما حرم قيادات الماضي والحاضر على السواء من حرية التصرف واتخاذ القرارات على هواها. رغم ذلك، لا بد من التأكيد على أن قائد الزمن القديم كان يتمتع بحرية أكبر من قائد الحاضر في اتخاذ قرارات الحرب والسلم، ولكنه كان أقل مقدرة من قائد الزمن الحديث على تنفيذ خططه بسبب محدودة إمكانياته العسكرية وضعف أجهزة الدولة التي كان يجلس على قمتها. من ناحية أخرى، يملك قائد كل دولة نامية تعيش في الحاضر حرية أكبر بكثير من قائد أية دولة صناعية ديمقراطية لاتخاذ ما يراه من قرارات مصيرية. إضافة إلى ذلك، لا بد من الإشارة أيضا إلى أن التاريخ يُكتب عادة بعد وقوع الحدث بسنوات وأحيانا بعقود أو قرون، وأنه يكتب غالبا في غياب المعلومات الدقيقة التي تصف الحدث بالتفصيل وتحدد دور القائد في صنعه، كما وأن معظم كتب التاريخ كتبت من وجهة نظر القائد المنتصر محاولة تبرير جرائمه وتأكيد إدعاءاته، وتحميل المهزوم مسؤولية ما حدث من أخطاء وكوارث. في ضوء ذلك، وجب علينا أن نتوخى الحذر في تصديق ما تصلنا من معلومات عما حدث في الماضي، وما تقوله كتب التاريخ عن أسباب الحدث، وعن النتائج التي ترتبت عليه، وهذا يجعل من الصعب الاستفادة من الدروس والعبر التاريخية بالقدر المطلوب.
53512 | 900/1048 | المكتبة الرئيسية | Available |
No other version available